[ 20 ] وانتهوا عن الكتابة انتهاء مطلقا، إن بمكة وإن بالمدينة (1)، وكل ما جاء عنهم من حديث عن رسول الله إنما كان من طريق الرواية لا من طريق الكتابة وجرى الامر على ذلك إلى أن جاء عهد التدوين (2) - وكان ذلك في القرن الثاني ثم تطور فيما يلى هذا القرن من القرون، وانعقد الاجماع على أن أول من أمر بتدوين الحديث هو عمر بن عبد العزيز الذى تولى سنة 99 وأنه كلف بذلك أبا بكر بن حزم الانصاري المتوفى سنة 120، ولكن لم يأت خبر عن الانصاري هذا لا صحيح ولا مكذوب بأنه ألف كتابا في هذا التدوين، وقد ذكروا أن أول كتاب دون في الحديث هو موطأ مالك المتوفى سنة 179 ه وهذا الكتاب، وكل ما جاء بعده من كتب الحديث، قد أتانا من طريق الرواية لا من طريق الكتابة عن النبي صلى الله عليه وآله. والمقطوع به الذى لا يختلف عليه اثنان ولا يحتاج في إثباته إلى برهان، أنه لم يدون كتاب في الحديث في القرن الاول. كل ذلك إنما ينسخ بل ينسف ما سماه هذا الشيخ نصوصا، ويقضى عليها قضاء مبرما، وإنا لنتحدي شيوخا مرة ثانية أن يثبتوا - إن استطاعوا - أن كتابا واحدا من كتب الحديث كلها ما سموه صحيحا وما سموه سننا قد جاء من طريق الكتابة عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن صحابته في القرن الاول أو غيره من القرون حتى تصدق دعاواهم الباطلة ! ________________________________________ (1) لو أنهم درسوا هذا الموضوع حق الدرس كما يدرس العلماء لعرفوا كيف اتبع الصحابة جميعا ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله من عدم كتابة حديثه ولوقفوا على ما فعله عمر بن الخطاب خاصة من عدوله عن تدوين الحديث بعد أن أراد أن يدونه، ومما قاله عمر في ذلك: " إنى كنت أريد أن أكتب السنن، وإنى ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله تعالى وإنى والله لا ألبس - وفى راوية - لا أشوب - كتاب الله بشئ أبدا (ص 64 ج 1 جامع بيان العلم وفضله) لحافظ المغرب ابن عبد البر وص 206 / 1 / 3 طبقات ابن سعد وكتب إلى الامصار: من كان عنده منها شئ فليمحه (ص 65 ج 1 جامع بيان العلم وفضله) ويراجع كتابنا الاضواء في طبعته الثالثة لانه بحث هذا الامر وغيره بحثا مستوعبا. (2) جعلوا للرواية أقساما ثمانية مبينة في كتبهم ومن هذه الاقسام (الوجادة) وهى أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو لقيه ولم يسمع منه، ذلك الذى وجده بخطه، وقد اختلف في العمل بالوجادة فقال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يجوز، ولهم في ذلك كلام طويل يرجع إليه في مظانه. (*) ________________________________________