التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة إلى أن اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها وفي شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة ووصف المهاجرين والأنصار بما ذكر من إتباعهم له E في مثل هاتيك المراتب من الشدة للمبالغة في بيان الحاجة إلى التوبة فإن ذلك حيث لم يغنهم عنها فلأن لا يستغني عنها غيرهم أولى وأحرى .
من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم بيان لتناهي الشدة وبلوغها إلى ما لا غاية وراءها وهو إشراف بعضهم على أن يميلوا إلى التخلف عن النبي A وفي كاد ضمير الشأن أو ضمير القوم الراجع إليه الضمير في منهم وقرئ بتأنيث الفعل وقرئ من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يعني المتخلفين من المؤمنين كأبي لبابة وأضرابه .
ثم تاب عليهم تكرير للتأكيد وتنبيه على أنه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة والمراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم .
إنه بهم رءوف رحيم استئناف تعليلي فإن صفة الرأفة والرحمة من دواعي التوبة والعفو ويجوز كون الأول عبارة عن إزالة الضرر والثاني عن إيصال المنفعة وأن يكون أحدهما للسوابق والآخر للواحق .
سورة براءة آية 118 .
وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي وتاب الله على الثلاثة الذين أخر أمرهم عن أمر أبي لبابة وأصحابه حيث لم يقبل معذرتهم مثل أولئك ولا ردت ولم يقطع في شأنهم بشيء إلى أن نزل فيهم الوحي وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقرئ خلفوا أي خلفوا الغازين بالمدينة أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم وقرئ على المخلفين والأول هو الأنسب لأن قوله تعالى .
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض غاية للتخليف ولا يناسبه إلا المعنى الأول أي خلفوا وأخر أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض .
بما رحبت أي برحبها وسعتها لإعراض الناس عنهم وانقطاعهم عن مفاوضتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار .
وضاقت عليهم أنفسهم أي إذا رجعوا إلى أنفسهم لا يطمئنون بشيء لعدم الأنس والسرور واستيلاء الوحشة والحيرة .
وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه أي علموا أنه لا ملجأ من سخطه تعالى إلا إلى استغفاره .
ثم تاب عليهم أي وفقهم للتوبة .
ليتوبوا أو أنزل قبول توبتهم ليصيروا من جملة التوابين ورجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم .
إن الله هو التواب المبالغ في قبول التوبة كما وكيفا وإن كثرت الجنايات وعظمت .
الرحيم المتفضل عليهم بفنون الآلاء مع استحقاقهم لأفانين العقاب روي أن ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله A منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به A عن الحسن Bه أنه قال بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيرا من مائة ألف درهم فقال يا حائطاه ما خالفني إلا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فأنت في سبيل الله ولم يكن لآخر إلا أهله فقال يا أهلاه ما بطأني ولا خلفني إلا الفتن بك فلا جرم والله لأكابدن الشدائد حتى ألحق برسول الله A فتأبط زاده ولحق به A قال الحسن Bه كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها