البقرة 29 .
قبائحهم السابقة لتزايد السخط الموجب للمشافهة بالتوبيخ والتقريع والاستفهام إنكاري لا بمعنى انكار الوقوع كما في قوله تعالى كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الخ بل بمعنى انكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه وفيه من المبالغة ما ليس في توجيه الانكار الى نفس الكفر بأن يقال اتكفرون لأن كل موجود يجب ان يكون وجوده على حال من الاحوال قطعا فإذا انتفى جميع احوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهاني وقوله D .
وكنتم امواتا الى آخر الآية حال من ضمير الخطاب في تكفرون مؤكدة للإنكار والاستبعاد بما عدد فيها من الشئون العظيمة الداعية الى الإيمان الرادعة عن الكفر من حيث كونها نعمة عامه ومن حيث دلالتها على قدرة تامة كقوله تعالى وقد خلقكم اطوارا وكيف منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه وبالحال عند الاخفش أي في أي حال او على أي حال تكفرون به تعالى والحال انكم كنتم امواتا أي اجساما لا حياة لها عناصر واغذية ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة والاموات جمع ميت كأقوال جمع قيل وإطلاقها على تلك الاجسام باعتبار عدم الحياة مطلقا كما في قوله تعالى بلدة ميتا وقوله تعالى وآية لهم الارض الميتة .
فأحياكم بنفخ الارواح فيكم والفاء للدلالة على التعقيب فإن الاحياء حاصل اثر كونهم امواتا وإن توارد عليهم في تلك الحالة اطوار مترتبة بعضها متراخ عن بعض كما اشير اليه آنفا .
ثم يميتكم أي عند انقضاء آجالكم وكون الإماتة من دلائل القدرة ظاهر واما كونها من النعم فلكونها وسيلة الى الحياة الثانية التي هي الحيوان والنعمة العظمى والتراخي المستفاد من كلمة ثم بالنسبة الى زمان الإحياء دون زمان الحياة فإن زمان الإماتة غير متراخ عنه .
ثم يحييكم بالنشور يوم ينفخ في الصور او للسؤال في القبور واياما كان فهو متراخ من زمان الإماتة وإن كان اثر زمان الموت المستمر .
ثم اليه ترجعون بعد الحشر لا الى غيره فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر واليه تنشرون من قبوركم للحساب وهذه الافعال وإن كان بعضها ماضيا وبعضها مستقبلا لا يتسنى مقارنة شئ منها لما هو حال منه في الزمان لكن الحال في الحقيقة هو العلم المتعلق بها كأنه قيل كيف تكفرون بالله وانتم عالمون بهذه الاحوال المانعة منه ومآله التعجيب من وقوعه مع تحقق ما ينفيه وإنما نظم ما ينكرونه من الإحياء الأخير والرجع في سلك ما يعترفون به من الإحياء الاول والإماتة تنزيلا لتمكنهم من العلم لما عاينوه من الدلائل القاطعة منزلة العلم بذلك بالفعل في ازاحة العلل والأعذار والحياة حقيقة في القوة الحساسة او ما يقتضيها وبها سمى الحيوان حيوانا مجاز في القوة النامية لكونها من طلائعها وكذا فبما يخص الإنسان من العقل والعلم والإيمان من حيث انه كمالها وغايتها والموت بإزائها يطلق على ما يقابل كل مرتبة من تلك المراتب قال تعالى قل الله يحييكم ثم يميتكم وقال تعالى اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها وقال تعالى او من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وعند وصفة تعالى بها يراد صحة اتصافه تعالى بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا او معنى قائم بذاته تعالى مقتض لذلك وقرئ ترجعون بفتح التاء والاول هو الاليق بالمقام .
هو الذي خلق لكم