الأنعام آية 28 .
من أهل المشاهدة والعيان قصدا إلى بيان كمال سوء حالهم وبلوغها من الشناعة والفظاعة إلى حيث لا يختص استغرابها براء دون راء ممن اعتاد مشاهدة الأمور العجيبة بل كل من يتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعتها وجواب لو محذوف ثقة بظهوره وإيذانا بقصور العبارة عن تفصيله وكذا مفعول ترى لدلالة ما في حيز الظرف عليه لو تراهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها لرأيت ما لا يسعه التعبير وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حين يطلعون عليها إطلاعا وهي تحتهم أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها من قولهم وقفته على كذا إذا فهمته وعرفته وقرىء وقفوا على البناء للفاعل من وقف عليه وقوفا فقالوا يا ليتنا اي إلى الدنيا تمنيا للرجوع والخلاص وهيهات ولات حين مناص ولا نكذب بآيات ربنا أي بآياته الناطقة بأحوال النار وأهوالها الآمرة باتقائها إذ هي التي تخطر حينئذ ببالهم ويتحسرون على ما فرطوا في حقها أو بجميع ىياته المنتظمة لتلك الآيات انتظاما أوليا ونكون من المؤمنين بها العاملين بمقتضاها حتى لا تنرى هذا الموقف الهائل أو نكون من فريق المؤمنين الناجين من العذاب الفائزين بحسن المآب ونصب الفعلين على جواب التمني بإضمار أن بعد الواو وإجرائها مجرى الفاء ويؤيده قراءة ابن مسعوج وابن إسحق فلا نكذب والمعنى إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين وقيل ينسبك من أن المصدرية ومن الفعل بعجها مصدر متوهم فيعطف هذا عليه كأنه قيل ليت لنا ردا وانتفاء تكذيب وكونا من المؤمنين وقرىء برفعهما على أنه كلام مستأنف كقوله دعني ولا أعود أي وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني أو عطف على نرد أو حال من ضميره فيكون داخلا في حكم التمني كالوجه الخير للنصب وتعلق التكذيب الآتي به لما تضمنه من العدة بالإيمان وعدم التكذيب كمن قال ليتني رزقت مالا فأكافئك ه - على صنيعك فإنه متمن في معنى الواعد فلو رزق مالا ولم يكافىء صاحبه يكون مكذبا لا محالة وقرىء برفع الأول ونصب الثاني وقد مر وجههما بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل إضرابهما ينبىء عنه التمني من الوعد بتصديق الآيات والإيمان بها أي ليس ذلك عن عزيمة صادقة ناشئة عن رغبة في الإيمان وشوق إلى تحصيله والاتصاف به بل لأنه ظهر لهم في موقفهم ذلك ما كانوا يخفونه في الدنيا من الداهية الدهياء وظنوا أنهم مواقعوها فلخوفها وهول مطلعها قالوا ما قالوا والمراد بها النار التي وقفوا عليها إذ هي التي سيق الكلام لتهويل أمرها والتعجيب من فظاعة حال الموقوفين عليها وبإخفائها تكذيبهم بها فإن التكذيب بالشيء كفر به وإخفاء له لا محالة وإيثاره على صريح التكذيب الوارد في قوله D هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون وقوله تعالة هذه النار التي كنتم بها تكذبون مع كونه أنسب بما قبله من قولهم ولا نكذب بآيات ربنا لمراعاة ما في مقابلته من البدو هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الكريم وأما ما قيل من أن المراد بما يخفون كفرهم ومعاصيهم أو قبائحهم وفضائحهم التي كانوا يكتمونها من الناس فتظهر في صحفهم وبشهادجة جوارحهم عليهم أو شركهم الذي يجحدون به في بعض مواقف القيامة بقولهم والله ربنا ما كنا مشركين ثم يظهر بما ذكر من شهادة الجوارح عليهم أو ما أخفاه رؤساء