الأنعام آية 3 .
في موقع التفصيل كما في قول من قال إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وشق عندنا لم يحول وتنوينه لتفخيم شأنه وتهويل أمره لذلك أوثر تقديمه على الخبر الذي هو عنده مع أن الشائع المستفيض هو التأخير كما في قولك عندي كلام حق ولي كتاب نفيس كأنه قيل وأي أجل مسمى مثبت معين في علمه لا يتغير ولا يقف على وقت حلوله أحد لا مجملا ولا مفصلا وأما أجل الموت فمعلوم إجمالا وتقريبا بناء على ظهور أماراته أو على ما هو المعتاد في أعمار الإنسان وتسميته أجلا إنما هي باعتبار كونه غاية لمدة لبثهم في القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة كما أن مدار التسمية في الأجل الأول هو كونه آخر مدة الحياة لا كونه أول مدة الممات لما أن الأجل في اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن أولها وقيل الأجل الأول ما بين الخلق والموت الثاني ما بين الموت والبعث مكن البرزخ فإن الأجل كما يطلق على آخر المدة يطلق على كلها وهو الأوفق لما روي عن ابن عباس Bهما أن الله تعالى قضى لكل أحد أجلين أجلا من مولده إلى موته وأجلا من موته إلى مبعثه فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر وإن كان فاجرا قاطعا نقص من أجل العمر وزيد في أجلىالبعث وذلك قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب فمعنى عدم تغير الأجل حينئذ عدم تغير آخره والأول هو الأشهر الأليق بتفخيم الأجل الثاني المنوط باختصاصه بعلمه تعالى والأنسب بتهويله المبني على مقارنته للطامة الكبرى فإن كون بعضه معلوما للخلق ومضيه من غير أن يقع فيه شيء من الدواهي كما يستلزمه الحمل على المعنى الثاني مخل بذلك قطعا ومعنى زيادة الأجل ونقصه فيما روي تأخير الأجل الأول وتقديمه ثم أنتم تمترون استبعاد واستنكار لامترائهم في البعث بعد معابنتهم لما ذكر من الحجج الباهرة الدالة عليه أي تمترون في وقوعه وتحققه في نفسه مع مشاهدتكم في أنفسكم من الشواهد ما يقطع مادة الامتراء بالكلية فإن من قدر على إفاضة الحياة وما يتفرع عليها من العلم والقدرة وسائر الكمالات البشرية على مادة غير مستعدة لشيء منها اصلا كان أوضح اقتدار على إفاضتها على مادة قد استعدت لها وقارنتها مدة ومن ههنا تبين أن ما قيل من أن الأجل الأول هو النوم والثاني هو الموت أو أن الأول أجل الماضيين والثاني أجل الباقيين أو أن الأول مقدار ما مضى من عمر كل أحد والثاني مقدار ما بقي منه مما لا وجه له أصلا لما رأيت من أن مساق النظم الكريم استبعاد امترائهم في البعث الذي عبر عن وقته بالأجل المسمى فحيث أريد به أحد ما ذكر من الأمور الثلاثة ففي أي شيء يمترون ووصفهم بالامتراء الذي هو الشك وتوجيه الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاء البعث مصرون على إنكاره كما ينبىء عنه قولهم أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثوتن ونظائره للدلالة على أن جزمهم المذكور في أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار وقوله تعالى وهو الله جملة من مبتدأ وخبر معطوفة على ما قبلها مسوقة لبيان شمول أحكام الهيته تعالى لجميع المخبوقات وإحاطة علمه بتفاصيل أحوال العباد واعمالهم المؤدية إلى الجزاء غثر الإشارة إلى تحقق المعاد في تضاعيف بيان كيفية خلقهم وتقدير آجالهم قوله تعالى في السموات وفي الأرض متعلق بالمعنى