بخيلهم ورجلهم حسبما ينطق به قوله تعالى وادعوا شهداءكم من دون الله ويتعاونوا على الإتيان بقدر يسسير مماثل في صفات الكمال لما أتى بجملته واحد من أبناء جنسهم والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر ومعنى دون أدنى مكان من شيء يقال هذا دون ذاك إذا كان أحط منه قليلا ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب فقيل زيد دون عمرو أي في الفضل والرتبه ثم اتسع فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وتخطى حكم إلى حكم من غير ملاحظة انحطاط أحدهما عن الآخر فجرى مجرى أداة الاستثناء وكلمة من إما متعلقة بادعوا فتكون لابتداء الغاية والظرف مستقر والمعنى ادعوا متجاوزين الله تعالى للاستظهار من حضركم كائنا من كان أو الحاضرين في مشاهدكم ومحاضركم من رؤسائكم وأشرافكم الذين تفزعون إليهم في الملمات وتعولون عليهم في المهمات أو القائمين بشهاداتكم الجارية فيما بينكم من إمنائكم المتولين لاستخلاص الحقوق بتنفيذ القول عند الولاة أو القائمين بنصرتكم حقيقة أو زعما من الإنس والجن ليعينوكم وإخراجه سبحانه وتعالى من حكم الدعاء في الأول مع اندراجه في الحضور لتأكيد تناوله لجميع ما عداه لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه وأما في سائر الوجوه فللتصريح من أول الأمر ببراءتهم منه تعالى وكونهم في عدوة المحادة والمشاقة له قاصرين استظهارهم على ما سواه والاتفات لإدخال الروعة وتربية المهابة وقيل المعنى ادعوا من دون أولياء الله شهداءكم الذين هم وجوه الناس وفرسان المقالة والمناقلة ليشهدوا لكم أن ما اتيتم به مثله إيذانا يأنهم يأبون أن يرضوا لأنفسهم الشهادة بصحة ما هو بين الفساد وجلي الاستحالة وفيه أنه يؤذن بعدم شمول التحدي لأولئك الرؤساء وقيل المعنى ادعوا شهداءكم فصححوا بهم دعواكم ولا تستشهدوا بالله تعالى قائلين الله يشهد أن ما ندعيه حق فإن ذلك ديدن المحجوج وفيه أنه إن أريد بما يدعون حقية ما هم عليه من الدين الباطل فلا مساس له بمقام التحدي وإن أريد مثلية ما أتوا به للمتحدى به فمع عدم ملاءمته لابتداء التحدي يوهم أنهم قد تصدوا للمعارضة وأتوا بشيء مشتبه الحال متردد بين المثلية وعدمها وأنهم ادعواها مستشهدين في ذلك بالله سبحانه وتعالى إذ عند ذلك تمس الحاجة ألى الأمر بالاستشهاد بالناس والنهي عن الأستشهاد به تعالى وأنى لهم ذلك وما نبض لهم عرق ولا نبسوا ببنت شفة وإما متعلقة بشهداءكم والمراد بهم الأصنام ودون بمعنى التجاوز على أنها ظرف مستقر وقع حالا من ضمير المخاطبين والعامل ما دل عليه شهداءكم أي أدعوا اصنامكم الذين أتخذتوهم آلهة متجاوزين الله تعالى في أتخاذها كذلك وكلمة من ابتدائيته فان الأتخاذ ابتداء من التجاوز والتعبير عن الاصنام بالشهداء لتعيين مدار الاستظهار بها بتذكير ما زعموا من انها بمكان من الله تعالى وانها تنفعهم بشهادتها لهم أنهم على الحق فأن ما هذا شانه يجب أن يكون ملاذا لهم في كل أمر مهم وملجأ يأوون إليه في كل خطب ملم كأنه قيل أولئك عدتكم فادعوهم لهذه الداهية التي دهمتكم فوجه الالتفات الايذان بكمال سخافة عقولهم حيث اثروا على عبادة من له الألوهية الجامعة لجميع صفات الكمال ما لا احقر منه وقيل لفظه دون مستعار من معناها الوضعي الذي هو ادنى مكان من شيء لقدامه كما في قول الاعشى ... تريك القذى من دونها وهي دونه ... أي تريك القذى قدامها وهي قدام القذى فتكون ظرفا لغوا معمولا لشهدائكم لكفاية رائحة الفعل فيه من غير حاجة إلى