المائدة آية 68 .
أصلا من الأسرار الخفية ليست مما يقصد تبليغه إلى الناس أي فما بلغت شيئا من رسالته وانسلخت مما شرفت به من عنوان الرسالة بالمرة لما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض فإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لادلاء كل منها بما يدليه غيرها وكونها لذلك في حكم شيء واحد ولا ريب في أن الواحد لا يكون مبلغا غير ميبلغ مؤمنا به غير مؤمن به ولأن كتمان بعضها إضاعة لما أدى منها كترك بعض اركان الصلاة فإن غرض الدعوة ينتقض بذلك وقيل فكأنك ما بلغت شيئا منها كقوله تعالى فكأنما قتل الناس جميعا من حيث أن كتمنان البعض والكل سواء في الشناعة واستجلاب العقاب وقرىء فما بلغت رسالاتي وعن ابن عباس رشي الله عنهما إن كتمت ىية لم تبلغ رسالاتي وروي عن رسول الله بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله إلي إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت وذلك قوله تعالى والله يعصمك من الناس فإنه كما ترى عدة كريمة بعصمته من لحوق ضررهم بروحه العزيز باعثة له على الجد في تحقيق ما أمر به من التبليغ غير مكترث بعجاوتهم وكيدهم وعن أنس Bه أنه كان يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم فقال انصرفوا يأيها الناس فقد عصمني الله من الناس وقوله تعالى إن الله لا يهدي القوم الكافرين تعليل لعصمته تعالى له أي لا يمكنهم مما يريدون بك من الأضرار وإيراد الآية الكريمة في تضاعيف الآيات الواردة في حق أهل الكتاب لما أن الكل قوارع يسوء الكفار سماعها ويشق على الرسول مشافهتهم بها وخصوصا ما يتلوها من النص الناعي عليهم كمال ضلالتهم ولذلك أعيد الأمر فقيل قل يأهل الكتاب مخاكبا للفريقين لستم على شيء أي دين يعتد به ويليق بأن يسمى شيئا لظهور بطلانه ووضوح فساده وفي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غاية وراءه حتى تقيموا التوراة والإنجيل اي تراعواهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائل رسالة الرسول وشواهد نبوته فإن إقامتهما إنما تكون بذلك وأما مراعاة أحكامهما المنسوخة فليست من إقامتهما في شيء بل هي تعطيل لهما ورد لشهادتهما لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادة بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما وأن أحكامهما ما قرره النبي الذي بشر فيهما ببعثته وذكر في تضاعيفهما نعوته فإذن إقامتهما بيان شواهد النبوة والعمل بما قررته الشريعة من الأحكام كما يفصح عنه قوله تعالى وما انزل إليكم من ربكم اي القرآن المجيد بالإيمان به فإن إقامة الجميع لا تتأتى بغير ذلك وتقديم غقامة الكتابين على إقامته مع أنها المقصودة بالذات لرعاية حق الشهادة واستنزالهم عن رتبة الشقاق وإيراده بعنوان الإنزال إليهم لما مر من التصريح بأنهم مأمورون بإقامته والإيمان به كما لا يزعمون من اختصاصه بالعرب وفي إضافة الرب إلى ضميرهم ما اشير إليه من اللطف في الدعوة وقيل امراد بما