البقرة 22 .
يحصل التركيب المعتبر في التمثيل كما مر مرارا وأما جعل المشبه إرادته تعالى في الاستعارة والتمثيل فأمر مؤسس على قاعدة الأعتزال القائلة بجواز تخلف المراد عن إرادته تعالى فالجملة حال إما من فاعل خلقكم طالبا منكم التقوى او من مفعوله وما عطف عليه بطريق تغليب المخاطبين على الغائبين لأنهم المأمورون بالعبادة أي خلقكم وإياهم مطلوبا منكم التقوى أو عله له فإن خلقهم على تلك الحال في معنى خلقهم لأجل التقوى كانه قيل خلقكم لتتقوا أو كي تتقوا أما بناء على تجويز تعليل افعاله تعالى باغراض راجعه إلى العباد كما ذهب إليه كثير من أهل السنة واما تنزيلا لترتب الغاية على ما هي ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما هو غرض له فإن استتباع أفعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غير أن تكون هي علة غائية لها بحيث لولاها لما أقدم عليها مما لا نزاع فيه وتقييد خلقهم بما ذكر من الحال أو العلة لتكميل عليته للمأمور به وتأكيدها فإن إتيانهم بما خلقوا له أدخل في الوجوب وإيثار تتقون على تعبدون مع موافقته لقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس الا لعبدون للمبالغة في إيجاب العبادة والتشديد في الزامها لما أن التقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده فإذا لزمتهم التقوى كان ما هو أدنى منها ألزم والإتيان به أهون وأن روعيت جهة المخاطب فلعل في معناها الحقيقي والجملة حال من ضمير اعبدوا كانه قيل اعبدوا ربكم راجين للانتظام في زمرة المتقين الفائزين بالهدى والفلاح على أن المراد بالتقوى مرتبتها الثالثة التي هي التبتل إلى الله D بالكلية والتنزه عن كل ما يشغل سره عن مراقبته وهي أقصى غايات العبادة التي يتنافس فيها المتنافسون وبالأنتظام القدر المشترك بين انشائه والثبات عليه ليرتجيه ارباب هذه المرتبه وما دونها من مترتبتي التوقي عن العذاب المخلد والتجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك كما مر في تفسير المتقين ولعل توسيط الحال من الفاعل بين وصفي المفعول لما في التقديم من فوات الاشعار بكون الوصف الأول معظم احكام الربوبيه وكونه عريقا في ايجاب العبادة وفي التاخيرمن زيادة طول الكلام هذا على تقدير اعتبار تحقق التوقع بالفعل فأما أن اعتبر تحققه بالقوة فالجملة حال من مفعول خلقكم وما عطف عليه على الطريقة المذكورة أي خلقكم وأياهم حال كونكم جميعا بحيث يرجو منكم كل راج أن تتقوا فإنه سبحانه وتعالى لما براهم مستعدين للتقوى جامعين لمباديها الآفاقية والآنفسية كان حالهم بحيث يرجو منهم كل راج أن يتقوا لا محالة وهذه الحالة مقارنة لخلقهم وأن لم يتحقق الرجاء قطعا واعلم أن الاية الكريمة مع كونها بعبارتها ناطقة بوجوب توحيده تعالى وتحتم عبادته على كافه الناس مرشدة لهم بإشارتها إلى أن مطالعة الآيات التكوينية المنصوبه في الأنفس والآفاق ومما يقضي بذلك قضاء متقنا وقد بين فيها أولا من تلك الايات ما يتعلق بأنفسهم من خلقهم وخلق أسلافهم لما أنه أقوى شهادة وأظهر دلالة ثم عقب بما يتعلق بمعاشهم فقيل الذي جعل لكم الأرض فراشا وهو في محل النصب على أنه صفة ثانية لربكم موضحة أو مادحة أو على تقدير أخص أو أمدح أو في محل الرفع