الأقفاء والأقفاء إلى موضعها وقد اكتفى بذكر أشدهما فالفاء للتعقيب وقيل المراد بالوجوه الوجهاء على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير أي من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلب إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صغارا وأدبارا أو نردهم من حيث جاءوا منه وهي أذرعات الشأم فالمراد بذلك إجلاء بني النضير ولا يخفى أنه لا يساعده مقام تشديد الوعيد وتعميم التهديد للجميع فالوجه ما سبق من الوجوه وقد اختلف في أن الوعيد هل كان بوقوعه في الدنيا أو في الآخرة فقيل كان بوقوعه في الدنيا ويؤيده ما روى أن عبد الله ابن سلام رضي الله تعالى عنه لما قدم من الشأم وقد سمع هذه الآية أتى رسول الله قبل أن يأتي أهله فأسلم وقال يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي إلى قفاي وفي رواية جاء إلى النبي ويده على وجهه وأسلم وقال ما قال وكذا ما روى أن عمر Bه قرأ هذه الآية على كعب الأحبار فقال كعب يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن يصيبه وعيدها ثم اختلفوا فقيل إنه منتظر بعد ولابد من طمس في اليهود ومسخ وهو قول المبرد وفيه أن انصراف العذاب الموعود عن أوائلهم وهم الذين باشروا أسباب نزوله وموجبات حلوله حيث شاهدوا شواهد النبوة في رسول الله فكذبوها وفي التوراة فحرفوها وأصروا على الكفر والضلالة وتعلق بهم خطاب المشافهة بالوعيد ثم نزوله على من وجد بعد مئات من السنين من أعقابهم الضالين بإضلالهم العالمين بما مهدوا من قوانين الغواية بعيد من حكمة الله تعالى العزيز الحكيم وقيل إن وقوعه كان مشروطا بعدم الإيمان وقد آمن من أحبارهم المذكوران وأضرابهما فلم يقع وفيه أن إسلام بعضهم إن لم يكن سببا لتأكد نزول العذاب على الباقين لتشديدهم النكير والعناد بعد ازدياد الحق وضوحا وقيام الحجة عليهم بشهادة أماثلهم العدول فلا أقل من أن لا يكون سببا لرفعه عنهم وقيل كان الوعيد بوقوع أحد الأمرين كما ينطق به قوله تعالى .
أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت فإن لم يقع الأمر الأول فلا نزاع في وقوع الثاني كيف لا وهم ملعونون بكل لسان في كل زمان وتفسير اللعن بالمسخ ليس بمقرر البتة وأنت خبير بأن المتبادر من اللعن المشبه بلعن أصحاب السبت هو المسخ وليس في عطفه على الطمس والرد على الأدبار شائبة دلالة على عدم إرادة المسخ ضرورة أنه تغيير مغاير لما عطف عليه على أن المتوعد به لا بد أن يكون أمرا حادثا مترتبا على الوعيد محذورا عندهم ليكون مزجرة عن مخالفة الأمر ولم يعهد أنه وقع عليهم لعن بهذا الوصف إنما الواقع عليهم ما تداولته الألسنة من اللعن المستمر الذي ألفوه وهو بمعزل من صلاحية ان يكون حكما لهذا الوعيد أو مزجرة للعنيد وقيل إنما كان الوعيد بوقوع ما ذكر في الآخرة عند الحشر وسيقع فيها لا محالة أحد الأمرين أو كلاهما على سبيل التوزيع وأما ما روي عن عبد الله بن سلام وكعب فمبني على الإحتياط اللائق بشأنهما والحق أن النظم الكريم ليس بنص في أحد الوجهين بل المتبادر منه بحسب المقام هو الأول لأنه أدخل في الزجر وعليه مبني ما روي عن الحبرين لكن لما لم يتضح وقوعه علم ان المراد هو الثاني والله تعالى اعلم وأيا ما كان فلعل السر في تخصيصهم بهذه العقوبة من بين العقوبات مراعاة المشاكلة بينهما وبين ما أوجبها من جنايتهم التي هي التحريف والتغيير والله هو العليم الخبير .
وكان أمر الله أي ما أمر به كائنا ما كان أو أمره بإيقاع شئ ما من الأشياء .
مفعولا نافذا كائنا لا محالة فيدخل فيه ما أوعدتم به