القولين الأخيرين مع تصريحهم بالعصيان في الأول لما قالوا من أن جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء وقيل كانوا يقولون الأول فيما بينهم وقيل يجوز أن لا ينطقوا بذلك ولكنهم لما لم يؤمنوا به جعلوا كأنهم نطقوا به .
ليا بألسنتهم أي فتلا بها وصرفا للكلام عن نهجه إلى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا أسمعت مكروها وأجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا أو فتلا بها وضما لما يظهرونه من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من السب والتحقير .
وطعنا في الدين أي قدحا فيه بالإسنهزاء والسخرية وانتصابهما على العلية ليقولون باعتبار تعلقه بالقولين الأخيرين أي يقولون ذلك لصرف الكلام عن وجهه إلى السب والطعن في الدين أو على الحالية أي لاوين وطاعنين في الدين .
ولو أنهم عندما سمعوا شيئا من أوامر الله تعالى ونواهيه .
قالوا بلسان المقال أو بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا .
سمعنا وأطعنا إنما أعيد سمعنا مع أنه متحقق في كلامهم وإنما الحاجة إلى وضع أطعنا مكان عصينا لا للتنبيه على عدم اعتباره بل على اعتبار عدمه كيف لا وسماعهم سماع الرد ومرادهم بحكايته إعلام عصيانهم للأمر بعد سماعه والوقوف عليه فلا بد من إزالته وإقامة سماع القبول مقامه .
واسمع أي لو قالوا عند مخاطبة النبي بدل قولهم اسمع غير مسمع اسمع .
وانظرنا أي ولو قالوا ذلك بدل قولهم راعنا ولم يدسوا تحت كلامهم شرا وفسادا أي لو ثبت أنهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الأقوال .
لكان قولهم ذلك .
خيرا لهم مما قالوا .
وأقوم أي أعدل وأسد في نفسه وصيغة التفضيل إما على بابها واعتبار أصل الفضل في المفضل عليه بناء على اعتقادهم أو بطريق التهكم وإما بمعنى اسم الفاعل وإنما قدم في البيان حاله بالنسبة إليهم على حاله في نفسه لأن هممهم مقصورة على ما ينفعهم .
ولكن لعنهم الله بكفرهم أي ولكن لم يقولوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم الله تعالى وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم بذلك .
فلا يؤمنون بعد ذلك .
إلا قليلا قيل أي إلا إيمانا قليلا لا يعبأ به وهو الإيمان ببعض الكتب والرسل أو إلا زمانا قليلا وهو زمان الإحتضار فإنهم يؤمنون حين لا ينفعهم الإيمان قال تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وكلاهما ليس بإيمان قطعا وقد جوز أن يراد بالقلة العدم بالكلية على طريقة قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي إن كان الإيمان المعدوم إيمانا فهم يحدثون شيئا من الإيمان فهو في المعنى تعليق بالمحال وانت خبير بأن الكل يأباه ما يعقبه من الأمر بالإيمان بالقرآن الناطق بهذا لإفضائه إلى التكليف بالمحال الذي هو إيمانهم بعدم إيمانهم المستمر أما على الوجه الأخير فظاهر واما على الأولين فلأن أمرهم بالإيمان المنجز بجميع الكتب والرسل تكليف لهم بإيمانهم بعدم إيمانهم إلى وقت الإحتضار فالوجه أن يحمل القليل على من يؤمن بعد ذلك لكن لا يجعل المستثنى منه ضمير الفاعل في لا يؤمنون لإفضائه إلى وقوع إيمان من لعنة الله تعالى وخذله مع ما فيه من نسبة القراء إلى الإتفاق على غير المختار بل بجعله ضمير المفعول في لعنهم أي ولكن لعنهم الله إلا فريقا قليلا فإنه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليهم باب الإيمان وقد آمن بعد ذلك فريق من الأحبار كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما كما سيأتي