والترهيب وكذا وصف الرب بقوله تعالى .
الذي خلقكم من نفس واحدة فإن خلقه تعالى إياهم على هذا النمط البديع لإنبائه عن قدرة شاملة لجميع المقدورات التى من جملتها عقابهم على معاصيهم وعن نعمة كاملة لا يقادر قدرها من أقوى الدواعي إلى الاتقاء من موجبات نقمته وأتم الزواجر عن كفران نعمته وكذا جعله تعالى إياهم صنوانا مفرغة من أرومة واحدة هي نفس آدم عليه السلام من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة وتعميم الخطاب في ربكم وخلقكم للأمم السالفة أيضا مع اختصاصه فيما قبل بالمأمورين بناء على أن تذكير شمول ربوبيته تعالى وخلقه للكل من مؤكدات الأمر بالتقوى وموجبات الامتثال به تفكيك للنظم الكريم مع الاستغناء عنه لأن خلقه تعالى للمأمورين من نفس آدم عليه السلام حيث كان بواسطة ما بينهم وبينه عليه السلام من الآباء والأمهات كان التعرض لخلقهم متضمنا للتعرض لخلق الوسايط جميعا وكذا التعرض لربوبيته تعالى لأصولهم قاطبة لا سيما وقد نطق بذلك قوله D .
وخلق منها زوجها فإنه مع ما عطف عليه صريح في ذلك وهو معطوف إما على مقدر ينبئ عنه سوق الكلام لأن تفريع الفروع من أصل واحد يستدعي إنشاء ذلك الأصل لا محالة كأنه قيل خلقكم من نفس واحدة خلقها أولا وخلق منها زوجها الخ وهو أستئناف مسوق لتقرير وحدة المبدأ وبيان كيفية خلقهم منه وتفصيل ما أجمل أولا أو صفة لنفس مفيدة لذلك وإما على خلقكم داخل معه في حيز الصلة مقرر و مبين لما ذكر وإعادة الفعل مع جواز عطف مفعوله على مفعول الفعل الأول كما في قوله تعالى يأيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم الخ لإظهار ما بين الخلقين من التفاوت فإن الأول بطريق التفريع من الأصل والثاني بطريق الإنشاء من المادة فإن تعالى خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام روى أنه D لما خلقه عليه السلام وأسكنه الجنة ألقي عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى فلما أنتبه وجدها عنده وتأخير ذكر خلقها عن ذكر خلقهم لما أن تذكير خلقهم أدخل في تحقيق ما هو المقصود من حملهم على الأمتثال بالأمر بالتقوى من تذكير خلقها وتقديم الجار و المجرور للأعتناء ببيان مبدئيته عليه السلام لها مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر كما مر مرارا وإيرادها بعنوان الزوجية تمهيد لما بعده من التناسل .
وبث منهما أي نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها بطريق التوالد والتناسل .
رجالا كثيرا نعت لرجالا مؤكدة لما أفاده التنكير من الكثرة والإفراد باعتبار معنى الجمع أو العدد وقيل هو نعت لمصدر مؤكد للفعل أي بثا كثيرا .
ونساء أي كثيرة وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور وإيثارهما على ذكورا وإناثا لتأكيد الكثرة والمبالغة فيها بترشيح كل فرد من الأفراد المبثوثة لمبدئية غيره وقرئ وخالق وباث على حذف المبتدأ أي وهو خالق وباث .
واتقوا الله الذي تساءلون به تكرير للأمر وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به فإن سؤال بعضهم بعضا بالله تعالى بان يقولوا أسألك بالله وأنشدك الله على سبيل الاستعطاف يقتضى الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بتربية المهابة وإدخال الروعة لوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته وتساءلون أصله تتساءلون فطرحت إحدى التاءين تخفيفيا وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس