285 - البقرة كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته متعال عن أن يكون بطريق حصول الصور بل وجود كل شئ في نفسه في أي طور كان علم بالنسبة إليه تعالى وهذا لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة خلا أن مرتبه الإخفاء متقدمة على مرتبة الإبداء إذ ما من شئ يبدى إلا وهو او مباديه قبل ذلك مضمر في النفس فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقد مر في تفسير قوله تعالى أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون .
فيغفر بالرفع على الاستئناف أي فهو يغفر بفضله .
لمن يشاء أن يغفر له .
ويعذب بعدله .
من يشاء أن يعذبه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وقرئ بجزم الفعلين عطفا على جواب الشرط وقرئ بالجزم من غير فاء على أنهما بدل من الجواب بدل البعض أو الاشتمال ونظيره الجزم على البدلية من الشرط في قوله ... متى تأتنا تلمم بنافي ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا ... وإدغام الراء في اللام لحن .
والله على كل شئ قدير تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب .
آمن الرسول لما ذكر في فاتحة السورة الكريمة أن ما انزل إلى الرسول من الكتاب العظيم الشان هدى للمتصفين بما فصل هناك من الصفات الفا ضلة التي من جملتها الإيمان به وبما انزل قبله من الكتب الإلهية وأنهم حائزون لإثرتى الهدى والفلاح من غير تعيين لهم بحصوصهم ولا تصريح بتحقيق اتصافهم بها إذ ليس فيما يذكر في حيز الصلة حكم بالفعل وعقب ذلك ببيان حال من كفر به من المجاهرين والمنافقين ثم شرح في تضاعيفها من فنون الشرائع والأحكام والمواعظ والحكم وأخبار سوالف الأمم وغير ذلك ما تقتضى الحكمة شرحة عين في خاتمتها المتصفون بها وحكم باتصافهم بها على طريق الشهادة لهم من جهته D بكمال الإيمان وحسن الطاعة وذكر بطريق الغيبة مع ذكر هناك بطريق الخطاب لما أن حق الشهادة الباقية على مر الدهور أن لا يخاطب بها المشهود له ولم يتعرض ههنا لبيان فوزهم بمطالبهم التي من جملتها ما حكى عنهم من الدعوات الآتية إيذانا بانه أمر محقق غنى عن التصريح به لاسيما بعد ما نص عليه فيما سلف وإيراده بعنوان الرسالة المنبئة عن كونه صاحب كتاب مجيد وشرع جديد تمهيد لما يعقبه من قوله تعالى .
بما أنزل أليه ومزيد توضيح لاندراجه في الرسل المؤمن بهم عليهم السلام والمراد بما انزل إليه ما يعم كله وكل جزء من أجزائه ففيه تحقيق لكيفية إيمانه وتعيين لعنوانه أي آمن عليه السلام بكل ماأنزل إليه .
من ربه والكتب وغير ذلك من حيث أنه منزل منه تعالى وإما الإيمان بحقية أحكامه وصدق أخباره ونحو ذلك فمن فروع الإيمان به من الحيثية المذكورة وفي هذا الإجمال إجلال لمحله وإشعار بأن تعلق إيمانه بتفاصيل ما أنزل إليه وإحاطته بجميع ما أنطوى