البقرة 160 - 159 .
ان الذين يكتمون قيل نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا ما في التوراة من نعوت النبي وغير ذلك من الأحكام وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن والسدي والربيع والاصم أنها نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وقيل نزلت في كل من كتم شيئا من احكام الدين لعموم الحكم للكل والأقرب هو الأول فإن عموم الحكم لا يأبى خصوص السبب والكتم والكتمان ترك إظهار الشيء قصدا مع مساس الحاجة اليه وتحقق الداعي الى اظهار وذلك قد يكون بمجرد ستره واخفائه وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر في موضعه وهو الذي فعله هؤلاء .
ما أنزلنا من البينات من الآيات الواضحة الدالة على أمر محمد .
والهدى أي والآيات الهادية الى كنه أمره ووجوب اتباعه والايمان به عبر عنها بالمصدر مبالغة ولم يجمع مراعاة للأصل وهي المرادة بالبينات أيضا والعطف لتغاير العنوان كما في قوله D هدى للناس وبينات الخ وقيل المراد بالهدى الأدلة العقلية ويأباه الإنزال والكتم .
من بعد ما بيناه للناس متعلق بيكتمون والمراد بالناس الكل لا الكاتمون فقط واللام متعلقة ببيناه وكذا الظرف في قوله تعالى .
في الكتاب فإن تعلق جارين بفعل واحد عند اختلاف المعنى مما لا ريب في جوازه أو الأخير متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعوله أي كائنا في الكتاب وتبيينه لهم تلخيصه وايضاحه بحيث يتلقاه كل احد منهم من غير ان يكون له فيه شبهة وهذا عنوان مغاير لكونه بينا في نفسه وهدى مؤكد لقبح الكتم او تفهيمه لهم بواسطة موسى عليه السلام والأول انسب بقوله تعالى في الكتاب والمراد بكتمه إزالته ووضع غيره في موضعه فإنهم محو انعته E وكتبوا مكانه ما يخالفه كما ذكرناه في تفسير قوله عز وعلا فويل للذين يكتبون الكتاب الخ .
أولئك اشارة اليهم باعتبار ما وصفوا به للإشعار بعليته لما حاق بهم وما فيه من معنى البعد للإيذان بترامى أمرهم وبعد منزلتهم في الفساد .
يلعنهم الله أي يطردهم ويبعدهم من رحمته والالتفات الى الغيبة بإظهار اسم الذات الجامع للصفات لتربية المهابة وادخال الروعة والاشعار بأن مبدأ صدور اللعن عنه سبحانه صفة الجلال المغايرة لما هو مبدأ الانزال والتبيين من وصف الجمال والرحمة .
ويلعنهم اللاعنون أي الذين يتأتى منهم اللعن أي الدعاء عليهم باللعن من الملائكة ومؤمني الثقلين والمراد بيان دوام اللعن واستمراره وعليه يدور الاستثناء المتصل في قوله تعالى .
إلا الذين تابوا أي عن الكتمان .
واصلحوا أي ما افسدوا بأن ازالوا الكلام المحرف وكتبوا مكانه ما كانوا ازالوه عند التحريف .
وبينوا للناس معانيه فإنه غير الاصلاح المذكور او بينوا لهم ما وقع منهم اولا وآخرا فإنه أدخل في ارشاد الناس الى الحق وصرفهم عن طريق الضلال الذي كانوا أوقعوهم فيه أو بينوا توبتهم ليمحوا به سمة ما كانوا فيه ويقتدي بهم أضرابهم