مريم 83 87 ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تعجيب لرسول الله A مما نطقت به الآيات الكريمة السالفة وحكته عن هؤلاء الكفرة والغواة والمردة العتاة من فنون القبائح من الأقاويل والأفاعيل والتمادي في الغي والإنهماك في الضلال والإفراط في العناد والتصميم على الكفر من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم والإجماع على مدافعة الحق بعد اتضاحه وانتفاء الشك عنه بالكلية وتنبيه على أن جميع ذلك منهم بإضلال الشياطين وإغوائهم لا لأن له مسوغا ما في الجملة ومعنى إرسال الشياطين عليهم إما تسليطهم عليهم وتمكينهم من إضلالهم وإما تقييضهم لهم وليس المراد تعجيبه عليه السلام من إرسالهم عليهم كما يوهمه تعليق الرؤية به بل مما ذكر من أحوال الكفرة من حيث كونها من آثار إغواء الشياطين كما ينبئ عنه قوله تعالى تؤزهم أزا فإنه إما حال مقدرة من الشياطين أو استئناف وقع جوابا عما نشأ من صدر الكلام كأنه قيل ماذا يفعل الشياطين بهم حينئذ فقيل تؤزهم أي تغريهم وتهيجهم على المعاصي تهييجا شديدا بأنواع الوساوس والتسويلات فإن الأز والهز والإستفزاز أخوات معناها شدة الإزعاج فلا تعجل عليهم أي بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم ويبيدوا عن آخرهم وتطهر الأرض من فساداتهم والفاء للإشعار بكون ما قبلها مظلة لوقوع المنهي عنه محوجة إلى النهي كما في قوله تعالى إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة وقوله تعالى إنما نعد لهم عدا تعليل لموجب النهي ببيان اقتراب هلاكهم أي لا تستعجل بهلاكهم فإنه لم يبق لهم إلا أيام وانفاس نعدها عدا يوم نحشر المتقين منصوب على الظرفية بفعل مؤخر قد حذف للإشعار بضيق العبارة عن حصره وشرحه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة التامة والدواهي العامة كأنه قيل يوم نحشر المتقين أي نجمعهم إلى الرحمن إلى ربهم الذي يغمرهم برحمته الواسعة وفدا وافدين عليه كما يفد الوفود على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم ونسوق المجرمين كما تساق البهائم إلى جهنم وردا عطاشا فإن من يرد الماء لا يورده إلا العطش أو كالدواب التي ترد الماء نفعل بالفريقين من الأفعال مالا يفي ببيانه نطاق المقال وقيل منصوب على المفعولية بمضمر مقدم خوطب به النبي الله A أي اذكر لهم بطريق الترغيب والترهيب يوم نحشر الخ وقيل على الظرفية لقوله تعالى لا يملكون