سورة مريم 63 65 فيها لغوا أي فضول كلام لا طائل تحته وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها وفيه تنبيه على أن اللغو مما ينبغي أن يجتنب عنه في هذه الدار ما أمكن إلا سلاما استثناء منقطع أي لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم على بعض أو متصل بطريق التعليق بالمحال أي لا يسمعون لغوا ما إلا سلاما فيحث استحال كون السلام لغوا استحال سماعهم له بالكلية كما في قوله ... ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب ... .
أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وهم أغنياء عنه من باب اللغو ظاهرا وإنما فائدته الإكرام وقوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وأراد على عادة المتنعمين في هذه الدار وقيل المراد دوام رزقهم ودروره وإلا فليس فيها بكرة ولا عشى تلك الجنة مبتدأ وخبر جيء به لتعظيم شأن الجنة وتعيين أهلها فإن ما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان يبعد منزلتها وعلو رتبتها التي نورث أي نورثها من عبادنا من كان تقيا أي نبقيها عليهم بتقواهم ونمتعهم بها كما نبقى على الوارث مال مورثه ونمتعه به والوراثة أقوى ما يستعمل في التملك والاستحقاق من الألفاظ من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا إبطال وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا وأطاعوا زيادة في كرامتهم وقرئ نورث بالتشديد وما نتنزل إلا بأمر ربك حكاية لقول جبريل حين استبطأه رسول الله A لما سئل عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر كيف يجيب ورجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه أربعين يوما أو خمسة عشر فشق ذلك عليه مشقة شديدة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه ثم نزل ببيان ذلك وأنزل الله D هذه الآية وسورة الضحى والتنزيل النزول على مهل لأنه مطاوع للتنزيل وقد يطلق على مطلق النزول كما يطلق التنزيل على الإنزال والمعنى وما نتنزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته وقرئ وما يتنزل بالياء والضمير للوحي له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وهو ما نحن فيه من الأماكن والأزمنة ولا ينتقل من مكان إلى مكان ولا نتنزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته وما كان ربك نسيا أي تاركا لك يعني أن عدم النزول لم يكن إلا لعدم الأمر به لحكمة بالغة فيه ولم يكن لتركه تعالى لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وفي إعادة اسم الرب المعرب عن التبليغ إلى الكمال اللائق مضافا إلى ضميره عليه السلام من تشريفه والإشعار بعلة الحكم مالا يخفى وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة مخاطبا بعضهم بعضا بطريق التبجح والإبتهاج والمعنى وما نتنزل الجنة إلا بأمر الله تعالى ولطفه وهو مالك الأمور كلها أسالفها ومترقيها وحاضرها فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله وقوله تعالى وما كان ربك نسيا تقرير لقولهم من وجهة الله تعالى أي وما كان ناسيا لأعمال العاملين وما وعدهم من الثواب عليها وقوله تعالى رب السموات والأرض وما بينهما بيان لاستحالة النسيان عليه تعالى