الإسراء 70 71 وقلد كرمنا بني آدم قاطبة تكريما شاملا لبرهم وفاجرهم أي كرمناهم بالصورة والقامة المعتدل والتسلط على ما في الأرض والتمتع به والتمكن من الصناعات وغير ذلك مما لا يكاد يحيط به نطاق العبارة ومن جملته ما ذكره ابن عباس Bهما من أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده وما قيل من شركة القرد له في ذلك مبنى على عدم الفرق بين اليد والرجل فإنه متناول له برجله التي يطأ بها القاذورات لا بيده وحملناهم في البر والبحر على الدواب والسفن من حملته إذا جعلت له ما يركبه وليس من المخلوقات شيء كذلك وقيل حملناهم فيها حيث لم نخسف بهم الأرض ولم نغرقهم بالماء وأنت خبير بأن الأول هو الأنسب بالتكريم إذ جميع الحيوانات كذلك ورزقناهم من الطيبات أي فنون النعم وضروب المستلذات مما يحصل بصنيعهم وبغير صنيعهم وفضلناهم في العلوم والإدراكات بما ركبنا فيهم من القوى المدركة التي بها يتميز الحق من الباطل والحسن من القبيح على كثير ممن خلقنا وهم من عدا الملائكة عليهم الصلاة والسلام تفضيلا عظيما فحق عليهم أن يشكروا هذه النعم ولا يكفروها ويستعملوا قواهم في تحصيل العقائد الحقة ويرفضوا ما هم عليه من الشرك الذي لا يقبله أحد ممن له أدنى تميز فضلا عمن فضل على من عدا الملأ الأعلى الذين هم العقول المحضة وإنما استثنى جنس الملائكة من هذا التفضيل لأن علومهم دائمة عارية عن الخطأ والخلل وليس فيه دلالة على أفضليتهم بالمعنى المتنازع فيه فإن المراد هنا بيان التفضيل في أمر مشترك بين جميع أفراد البشر صالحها وطالحها ولا يمكن أن يكون ذلك هو الفضل في عظم الدرجة وزيادة القربة عند الله سبحانه إن قيل أي حاجة إلى تعيين ما فيه التفضيل بعد بيان ما هو المراد بالمفضلين فإن استثناء الملائكة عليهم الصلاة والسلام من تفضيل جميع أفراد البشر عليهم لا يستلزم استثناءهم من تفضيل بعض أفراده عليهم قلنا لا بد من تعيينه البتة إذ ليس من الأفراد الفاجرة للبشر أحد يفضل على أحد من الخلوقات فيما هو المتنازع فيه أصلا بل هم أدنى من كل دنئ حسبما ينبئ عنه قوله تعالى أولئك كالانعام بل هم أضل وقوله تعالى إن شر الدواب عند الله الذين كفروا يوم ندعو نصب على المفعولية بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه قوله تعالى ولا يظلمون وقرئ بالياء على البناء للفاعل وللمفعول ويدعو بقلب الألف واوا على لغة من يقول في افعى افعوا وقد جوز كون الواو علامة الجمع كما في قوله تعالى وأسروا النجوى أو ضميره وكل بدلا منه والنون محذوفة لقلة المبالاة فإنها ليست إلا علامة الرفع وقد يكتفي بتقديره كما في يدعي كل أناس من بني آدم الذين