النحل 14 15 الضرورية وأما ما يقال من أن اختلافها في الطباع والهيآت والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم فمداره مالو حنا به من حسبان ما ذكر دليلا على إثبات الصانع تعالى وقد عرفت حقيقة الحال فإن إيراد ما يدل على اتصافه سبحانه بما ذكر من صفات الكمال ليس بطريق الاستدلال عليه بل من المقدمات المسلمة جىء به للإستدلال به على ما يقتضيه ضرورة من وحدانيته تعالى واستحالة أن يشاركه شيء في الالوهية وهو الذي سخر البحر شروع في تعداد النعم المتعلقة بالبحر إثر تفصيل النعم المتعلقة بالبر حيوانا ونباتا أي جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد لتأكلوا منه لحما طريا هو السمك والتعبير عنه باللحم مع كونه حيوانا للتلويح بانحصار الانتفاع به في الأكل ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والتنبيه على وجوب المسارعة إلى أكله كيلا يتسارع إليه الفساد كما ينبىء عنه جعل البحر مبتدأ أكله وللإيذان بكمال قدرته تعالى في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق ومن إطلاق اللحم عليه ذهب مالك والثورى أن من حلف لا يأكل اللحم حنث بأكله والجواب أن مبنى الإيمان العرف ولا ريب في أنه لا يفهم من اللحم عند الإطلاق ولذلك لو أمر خادمه بشراء اللحم فجاء بالسمك لم يكن ممتثلا بالأمر ألا يرى إلى أن الله تعالى سمى الكافر دابة حيث قال إن شر الدواب عند الله الذي كفروات ولا يحنث بركوبه من حلف لا يركب دابة وتستخرجوا منه حلية كاللؤلؤ والمرجان تلبسونها عبر في مقام الامتنان عن لبس نسائهم بلبسهم لكونهن منهم أو لكون لبسهن لأجلهم وترى الفلك السفن مواخر فيه جوارى فيه مقبلة ومدبرة ومعترضة بريح واحدة تشقه بحيزومها من المخر وهو شق الماء وقيل هو صوت جرى الفلك ولتبتغوا عطف على تستخرجوا وما عطف هو عليه وما بينهما اعتراض لتمهيد مبادىء الابتغاء ودفع توهم كونه باستخراج الحلية أو على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا ذكره ابن الأنباري أو متعلقة بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا من فضله من سعة رزقه بركوبها للتجارة ولعلكم تشكرون أي تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر من حيث إن فيها قطعا لمسافة طويلة مع أحمال ثقيلة في مدة قليلة من غير مزاولة أسباب السفر بل من غير حركة اصلا مع أنها في تضاعيف المهالك وعدم توسيط الفوز بالمطلوب بين الابتغاء والشكر للإيذان باستغنائه عن التصريح به وبحصولهما معا وألقي في الأرض وراسي أي جبالا ثوابت وقد مر تحقيقه في أول سورة الرعد أن تميد بكم كراهة أن تميل بكم وتضطرب أولئلا تميدبكم فإن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالإستدارة كالأفلاك أو تتحرك بأدنى سبب محرك فلما خلقت الجبال تفاوتت حافاتها وتوجهت الجبال