من قبيل التعلق بواسطة الجار المناسب له فإن قولك اعنته مشعر بانتهاء الإعانة اليه وقولك استعنته بابتدائها منه وقد يكون لفعل واحد مفعولان يتعلق بأحدهما على الكيفية الاولى وبالاخر على الثانية او الثالثة كما في قولك حدثني الحديث وسألني المال فإن التحديث مع كونه فعلا واحدا قد تعلق بك على الكيفية الثانية وبالحديث على الاولى وكذا السؤال فإنه فعل واحد وقد تعلق بك على الكيفية الثالثة وبالمال على الاولى ولا ريب في ان اختلاف هذه الكيفيات الثلاث وتباينها واختصاص كل من المفاعيل المذكورة بما نسب إليه منها مما لا يتصور فيه تردد ولا نكير وإن كان لا يتضح حق الاتضاح إلا عند الترجمة والتفسير وإن مدار ذلك الاختلاف ليس إلا اختلاف الفعل أو اختلاف المفعول وإذ لاختلاف في مفعول الحمد والمدح تعين أن اختلافهما في كيفية التعلق لاختلافهما في المعنى قطعا هذا وقد قيل المدح مطلق عن قيد الإختيار يقال مدحت زيدا على حسنه ورشاقة قدة وأياما كان فليس بينهما ترادف بل أخوة من جهة الاشتقاق الكبير وتناسب تام في المعنى كالنصر والتأييد فإنهما متناسبان معنى من غير ترادف لما ترى بينهما من الاختلاف في كيفية التعلق بالمفعول وإنما مرادف النصر الإعانة ومرادف التأييد التقوية فتدبر ثم إن ما ذكر من التفسير هو المشهور من معنى الحمد واللائق بالإدارة في مقام التعظيم وأما ما ذكر في كتب اللغة من معنى الرضى مطلقا كما في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وفي قولهم لهذا الأمر عاقبة حميدة وفي قول الأطباء بحران محمود مما لا يختص بالفاعل فضلا عن الإختيار فبمعزل عن استحقاق الإرادة ههنا استقلالا أو استتباعا بحمل الحمد على ما يعم المعنيين إذ ليس في إثباته له D فائدة يعتد بها وأما الشكر فهو مقابلة النعمة بالثناء وآداب الجوارح وعقد القلب على وصف المنعم بنعت الكمال كما قال من قال أفادتكم النعماء منى ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا فإذن هو أعم منهما من جهة وأخص من أخرى ونقيضة الكفران ولما كان الحمد من بين شعب الشكر أدخل في إشاعة النعمة والاعتداد بشأنها وأدل على مكانها لما في عمل القلب من الخفاء وفي أعمال الجوارح من الاحتمال جعل الحمد رأس الشكر وملاكا لأمره في قوله الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبده لم يحمده وارتفاعة بالابتداء وخبره الظرف وأصله النصب كما هو شأن المصادر المنصوبة بأفعالها المضمرة التي لا تكاد تستعمل معها نحو شكرا وعجبا كأنه قيل نحمد الله حمدا بنون الحكاية ليوافق ما في قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين لاتحاد الفاعل في الكل وأما ما قيل من أنه بيان لحمدهم له تعالى كأنه قيل كيف تحمدون فقيل إياك نعبد فمع أنه لا حاجة إليه مما لا صحة له في نفسه فإن السؤال المقدر لا بد أن يكون بحيث يقتضيه انتظام الكلام وينساق إليه الأذهان والأفهام ولاريب في أن الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفية اللائقة لا يخطر ببال أحد أن يسأل عن كيفيته على أن ما قدر من السؤال غير مطابق للجواب فإنه مسوق لتعيين المعبود لا لبيان العبادة حتى يتوهم كونه بيانا لكيفية حمدهم والاعتذار بأن المعنى نخصك بالعبادة وبه يتبين كيفية الحمد تعكيس للأمر وتمحل لتوفيق المنزل المقرر بالموهوم المقدر وبعد اللينا والتي أن فرض السؤال من جهته D فأتت نكتت الإلتفات التي أجمع عليها السلف والخلف وإن فرض من جهة الغير يختل النظام لابتناء الجواب على خطابة تعالى