وأما ( أبو داود ) فمن بعده فإن كتبهم تنقسم على ثلاثة أقسام .
( القسم الأول ) صحيح وهو الجنس المخرج في هذين الكتابين للبخاري ومسلم فإن أكثر ما في هذه الكتب مخرج في هذين الكتابين والكلام عليه كالكلام على الصحيحين فيما اتفقا عليه واختلفا فيه .
( القسم الثاني ) صحيح على شرطهم . حكى أبو عبد الله بن منده أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا غرسال ويكون هذا القسم من الصحيح فإن البخاري قال أحفظ مائتي ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح ومسلم قال أخرجت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموع . ثم إنا رأيناهما أخرجا في كتابيهما ما اتفقا عليه وما انفردا به ما يقارب عشرة آلاف تزيد أو تنقص فعلمنا أنه قد بقي من الصحيح الكثير إلا أن طريقه لا يكون كطريق ما أخرجاه في هذين الكتابين فما أخرجوه مما انفردوا به دونهما فإنه من جملة ما تركه البخاري ومسلم من جملة الصحيح .
( والقسم الثالث ) أحاديث أخرجوها للضدية في الباب المتقدم وأوردوها لا قطعا منهم بصحتها وربما إبان المخرج لها عن علتها بما يفهمه أهل المعرفة .
فإن قيل لم أودعوها كتبهم ولم تصح عندهم ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه .
( أحدها ) رواية قوم لها واحتجاجهم بها فأوردوها وبينوا سقمها لتزول الشبهة .
و ( الثاني ) أنهم لم يشترطوا ما ترجمه البخاري ومسلم Bهما على ظهر كتابيهما من التسمية بالصحة فإن البخاري قال ما أخرجت في كتابي إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول . ومسلم قال ليس كل حديث صحيح أودعته هذا الكتاب وإنما أخرجت ما أجمعوا عليه ومن بعدهم لم يقولوا ذلك فإنهم كانوا يخرجون الشيء وضده .
و ( الثالث ) أن يقال لقائل هذا الكلام رأينا الفقهاء وسائر العلماء يوردون أدلة الخصم في كتبهم مع علمهم أن ذلك ليس بدليل فكان فعلهما هذا كفعل الفقهاء والله أعلم .
وأما أبو داود ومن بعده فهم متقاربون في شروطهم فلنقتصر على حكاية قول واحد منهم والباقون مثله أنبأنا أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصري عن كتاب أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الغساني يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز الهاشمي يقول سمعت أبا داود في رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جوابا لهم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في هذا الباب فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين وأحدهما أقدم إسنادا والآخر صاحبه أقوم في الحفظ فربما كتبت ذلك . ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث ولم أكتب في الباب إلا حديثا واحدا أو حديثين وإن كان في الباب أحاديث صحاح فإنه يكبر وإنما أردت قرب منفعته وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء ( قال الحافظ ابن رجب في .
شرح علل الترمذي " اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الحديث الصحيح والحديث الحسن وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف والحديث الغريب والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير ولا سيما في كتاب الفضائل ولكنه يبين ذلك غالبا ولا يسكت عنه ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه حديثا بإسناد منفرد إلا أنه قد يخرج حديثا مرويا من طرق أو مختلفا في إسناده وفي بعض طرقه متهم وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب ومحمد بن السائب الكلبي نعم قد يخرج عن سيىء الحفظ وعمن غلب على حديثه الوهم ويبين ذلك غالبا ولا يسكت عنه وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة مع السكوت على حديثهم كإسحاق بن أبي فروة وغيره وقد قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة ليس في كتاب السنن الذي صنفته من متروك الحديث شيء وإذا كان فيه حديث منكر يبين أنه منكر ومراده أنه لم يخرج لمتروك الحديث عنده على ما ظهر له أو لمتروك متفق على تركه فإنه قد خرج لمن قد قيل فيه إنه متروك ولمن قد قيل فيه إنه متهم بالكذب وقد كان أحمد بن صالح المصري وغيره لا يتركون إلا حديث من أجمع على ترك حديثه وحكى مثله عن النسائي والترمذي يخرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليلا ومن يهم كثيرا ومن يغلب عليه الوهم يخرج حديثه قليلا ويبين ذلك ولا يسكت عنه وقد خرج حديث كثير بن عبد الله المزني ولم يجمع على ترك حديثه بل قد قواه قوم وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب . وحكى الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال في حديثه في تكبير صلاة العيدين هو أصح حديث في هذا الباب قال وأنا أذهب إليه وأبو داود قريب من الترمذي في هذا بل أشبه انتقادا للرجال منه وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم ولا لمن فحش خطأه وكثر وأما مسلم فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط ومن في حفظه بعض شيء وتكلم فيه بحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه ولا يخرج عنه إلى ما لا يقال إنه وهم فيه وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك وهو أن لا يخرج إلا للثقة الضابط ولمن ندر وهمه وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرج عنه . انتهى بحروفه ) فإن ذكر لك عن النبي A سنة ليس فيما خرجته فاعلم أنه حديث واه إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر فإني لم أخرج الطرق لأنه يكثر على المتعلم ولا أعرف أحدا جمع على الاستقصاء غيري . وذكر باقي الرسالة .
وقد رويا عن أبي بكر بن داسة أنه قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله A خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنت هذا الكتاب جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه . وذكر تمام الكلام . أ هـ