وشبهة ثالثة أثارها الإمام الرازي أيضاً، نظراً إلى أنّ قوله: (وَالرَّاسِخُونَ)لو كان عطفاً على لفظ الجلالة، لزمه الابتداء بقوله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ...)، وهذا بعيد عن ذوق الفصاحة. وأبان عن وجه ذلك: بأنّ الكلام ينقطع عند قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، ويبتدأ بقوله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ...)، وهو إمّا خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهم يقولون، أو حال للراسخين، فيجب أن يقترن بالواو، تقديره: ويقولون. وأضاف أنّه لو كان حالاً لكان ذو الحال هو ما تقدّم ذكره، وهو مجموع المعطوف والمعطوف عليه، أي: (إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، أمّا وكونه حالاً من الراسخين فقط، فهو خلاف الظاهر[61]. قلت: ظاهر الكلام أنّها جملة حالية، وجملة الحال إذا صدّرت بالفعل المضارع المثبت يجب تجريدها عن الواو ألبتة، قال الإمام ابن مالك في ألفيّته النحويّة: وذات بدء بمضارع ثبت *** حوت ضميراً ومن الواو خلت أمّا اختصاص الحال بالمعطوف دون المعطوف عليه فكثير في اللغة. قال يزيد بن المفرّع الحميري يهجو عبّاد بن زياد: أصرمت حبلك في أمامة *** من بعد أيّام برامة فالريح تبكي شجوها *** والبرق يلمع في غمامة[62] قوله: «والبرق» عطف على «الريح»، للتشريك معها في البكاء، و«يلمع» حال من المعطوف فقط، أي: ويبكي البرق في حال كونه لامعاً في غمامة. وأيضاً في القرآن منه كثير، قال تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)[63]،