وهذا مفهوم انتزاعي، انتزعه العقل من مقام الذات المقترن بصفة كذا. فقد لاحظ أوّلا نفس الذات، ثمّ لاحظ معه انضمام الصفة، ومن هذين اللحاظين حصل لديه مفهوم انتزاعي ذات تركيب اقتراني. نعم، هذا تحليل عقليّ بحت، ولا صلة بينه وبين ما لحظه واضع اللغة، أو لحظه عرف الاستعمال. فلا الواضع الأوّل ولا المستعملون من أهل العرف لحظوا شيئاً ممّا حلّله العقل النظريّ الذي قام به أهل النظر في علم الكلام. فوصف «العالم» لدى أهل اللغة والعرف العامّ، إنّما يدلّ على مفهوم بسيط، لا تركيب فيه ولا اقتران، أي الذي يحضره الشيء ولايغيب عنه، فمن حضره شيء ولم يغب عنه فقد عرفه وعلم به، وهذا المعنى بالمفهوم السلبي أشبه منه بالمفهوم التركيبي الاقتراني. وبنفس هذا المفهوم (الساذج) يطلق على الله سبحانه أيضاً، حيث الأشياء كلّها حضور لديه، ولايعزب عن علمه شيء. والقرآن إنّما خاطب العرب بلغتهم، ووفق أساليبهم في التعبير والأداء، وكان العرب إنّما يفهمون من إطلاق هذه الأوصاف على الذات المقدّسة، نفس إطلاقها على سائر الخلق، وإذ لا تفاوت في الإطلاق، فلا مجال للقول بأن إطلاقها على الذات المقدّسة يغاير إطلاقها على غيره، لتكون مجازاً فيه وحقيقة فيهم. وهكذا سائر صفات الجمال والجلال، كان إطلاقها على الذات المقدّسة بنفس إطلاقها على غيره، نظراً لسذاجة مفاهيمها في الجميع. فإنّ القادر من كان يقوى على أمر، أي لايُعجزه، والسميع والبصير والخبير، من كانت الأشياء بمشهده، وهكذا. أمّا كون مبادئ هذه الأوصاف أموراً جاءت مقترنة بذات الموصوف، فهذا من تحليل العقل النظري، وليس من المفهوم العامّ. إذن فالمجاز والحقيقة، بما أنّهما من شؤون الاستعمال العرفي، ولا رابط بينهما وبين أيّ تحليل عقليّ نظري، فلا مجال للتفرقة في إطلاق الصفات بين كونها وصفاً