أنماط من التفسير العلمي المتطرف للحقائق القرآنية التي تجعل القرآن كتاباً لتعليم العلوم الطبيعية، وفي أنماط من التفسير العرفاني المتطرف والتي تحوّله إلى كتاب لتأمّل العرفاء لا غير، وفي أنماط من التفسير الفلسفي المغرق إلى الحد الذي يظهر فيه ككتاب مؤلّف من رموز فلسفية لا تفهم إلا بعد عمر طويل. وخلاصة ما نريد تحقيقه من هذا البحث، أننا ندعو إلى تحقيق التوازن الذي تركزه كلمتا (البيان والحكمة) فلا نغرق في التعامل مع الظاهر متناسين المعنى العميق، ولا نركن إلى المعاني التي نحتملها متناسين أن الظاهر لا يتحملها. وليس حديثنا هذا مقتصراً على تفسير الآيات أو شرح الأحاديث وإنّما يعم كل تعامل فكري مع المشاكل والتساؤلات المطروحة، فإن الملاك واحد في كلّ هذه الأُمور والمنهج واحد في شتى أنماط التعامل الفكري الإسلامي. فإذا ركّزنا على النظام السياسي الإسلامي ـ مثلاً ـ وجدنا أن الاكتفاء ببعض التعبيرات العامة، كالشورى والعدالة، واعتبارها كل المضمون السياسي، يعدّ أمراً سطحياً ـ بلا ريب ـ بعد معرفتنا لمشاكل الحكم ودوره الأساس في الحياة. في حين إننا إذا رحنا نتطلب من النصوص الإسلامية أن تعطينا تصوراً مباشراً لموقف الإسلام المحدد من جميع التعقيدات والتفصيلات الدقيقة في التشكيلة السياسية الحاضرة، وتشرحها بالتفصيل، فإنا نكون قد حمّلنا النصوص ما لا تتحمل، فقد تكون هذه التعقيدات في حلولها موكولة إلى خبرة ولي الأمر وما يراه عبر الشورى من مصالح. والحقيقة، إننا نجد الخطين آنفي الذكر يتجليان في مجال البحوث العقائدية بشكل واضح، وخصوصاً مسألة (الصفات الإلهية) وأمثالها، الأمر الذي يجر إلى إفراط أو تفريط، وكلاهما مضر بالصورة الإسلامية النظيفة التي يراد توعية الأُمة بها.