لمجتمع يكوّن الفلاسفة والعقلاء الألمعيون مجموع أفراده قاطبة، وتحميلاً للفظ أو المشاكل بما لا مسوغ له. والمستعرض لأساليب البحث في شتى أنماط الفكر الإسلامي ومدارسه اليوم، يجده ـ في كثير من الموارد ـ قلقاً بين المنهجين آنفي الذكر، الأمر الذي يبعده نوعاً ما عن الحقيقة، وبالتالي يفقده القدرة على توجيه أبناء الأُمة الوجهة الصحيحة، وإيجاد الوعي الجماهيري المطلوب كمقدمة لنهضة هذه الأُمة، وتحقيق آمالها العريضة، وبهذا يعود فكـراً حكـراً علـى المتفلسفين والعلماء، أو مبتذلاً سطحياً لا يأبه به من له إلمام بالثقافة الإسلامية والعلوم الإنسانية. وإذا تأملنا في طبيعة الأفكار الإسلامية، والمنهج الذي يتعامل به التصور الإسلامي مع المشاكل الإنسانية، وجدناه منهجاً متوازناً مرناً يسير مع الفهم الفطري العرفي من جهة، حتى ليتصور الإنسان القرآن الكريم كتاباً يقرؤه كلّ الناس، وتتعامل معه مختلف الفئات على اختلاف مستوياتها. ولكنه في الوقت نفسه يتسامى في معانيه، ويبلغ شأواً بعيداً من العمق، حتى لتحار في إدراكها أعظم العقول. وربما أراد القرآن الكريم أن يعبّر عن معاني ضخمة في عالم الغيب ويوصلها إلى الأفهام فيجدها ـ أي الأفهام ـ قاصرة عن الاستيعاب المباشر، ولذا فهو يعمد إلى التشبيه، ولكن لما كان التشبيه عاملاً إيجابياً في تقريب المعنى، وعاملاً سلبياً لما قد يؤدي إليه من إيجاد تطابق بين المشبّه والمشبَّه به، فإن الآيات الشريفة تطرح فكرة إرجاع المتشابهات إلى الآيات المحكمات التي لا تتخللها دلالة ظنية، لكي تحقق عملية التشبيه دورها التقريبي دون أن يصاحب ذلك أي تصور منحرف. وربما كان هذا أهم التحليلات لفكرة وجود (المحكم والمتشابه) في القرآن الكريم. هكذا إذن يتسم التعبير الإسلامي والمنهج الإسلامي في التعامل الفكري بصفة التوازن بين الوضوح والعمق، فهل وعى الفكر الإسلامي هذه الحقيقة؟