إنه ليست هناك حقيقة مطلقة وأن الأفكار ليست إلاّ مجرد انعكاس للتطور الخارجية للعلاقات الاجتماعية، نجدها من جهة أُخرى تعلن أن فكرة (المادية التاريخية) نفسها هي حقيقة مطلقة عامة تحكم قوانينها في الكون بلا تغيير أو تبديل. ومركز التناقض هو أن المادية التاريخية ليست إلاّ نظرية فكرية فلابُد وأن تكون ـ في رأي الماركسية ـ قد عكستها العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية في الذهن الإنسانية ولابد أن تكون متغيرة وفقاً لتغير تلك الظروف الخارجية، وهذا التغير والنسبية لا يجتمعان مع كون المادية التاريخية حقيقة مطلقة لا تقبل التغير. فإذا أردنا أن نكون منطقيين وجب أن نقول بأن المادية التاريخية (وهي أساس المذهب الماركسي كما مر بنا سابقاً) تحكم على نفسها بأنها نظرية نسبية غير مطلقة يجب أن تتغير إذا تغيرت الظروف الخارجية، وهذا يعني بالضرورة انهدام المادية التاريخية، والقضاء على قوانينها الأبدية. وهكذا نشهد كيف تحكم الماركسية على نفسها بالفناء، إذ أن العالمية، والأممية، والتاريخية العامة والصرامة، والأبدية والضرورة، والحتمية إلى ما هنالك من مصطلحات ضخمة نجد الكتب الماركسية مملوءة ومحشوة بها كل هذه لا تجتمع مع (النسبة التطورية) وعدم وجود الحقيقة المطلقة أبداً. مثال من التاريخ: وقبل أن نستشهد بمثال تاريخي نود أن نؤكد إجمالا على اننا لا نعترف بأن الأفكار هي انعكاسات للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لا غير، بل نؤمن بوجود الأفكار الإنسانية الإبداعية الأصيلة أيضاً. فننكر أن تكون كل وفكار ردود فعل اجتماعية وإن كنا لا ننكر وجود تأثيرات هامة للعلاقات الاجتماعية على كثير من الأفكار. والمثال الذي نريد الاستشهاد به هو مفهوم ماركس الثوري عن التاريخ والقائل: بأن الثورة هي الحتمية التاريخية التي يتم بها تغيير المجتمع من كيفية إلى كيفية أُخرى، مثلا من مجتمع رأسمالي إلى مجتمع اشتراكي.