فإن القيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة أمر مسلّم به، لا ينكره إلاّ مكابر. كما أن قيام فقيه أو مجلس من الفقهاء بإدارتها أمر مسلّم به، ولكن مبنى تشكيلها يختلف: فتارة يكون المبنى هو ولاية الفقيه، وأخرى يكون المبنى هو نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي نظام الحسبة، وعلى كلا الحالين تارة نقول بدور ما للشعب أو للخبراء أو لأهل الحل والعقد بانتخاب الحاكم، وأخرى لا نعطي دوراً لذلك. ثم إنّه على ضوء نظام ولاية الفقية تارةً نقول بأنّ الأدلّة تمنح الفقهاء الواجدين للشرائط على مستوى واحد ولاية فعلية مطلقة على كل شؤون المسلمين. وأخرى نقول إلى الإمامة، بحيث تساوق حجية أوامرهم فيها حجية أوامر الإمام المعصوم(عليه السلام). وهذا القيد أولى من قيود «العدالة» و«الذكورة» المطروحة في البين. ولم يبق إلاّ بعض الروايات التي ترجع إلى الثقاة، وهي في عدم الدلالة أوضح من غيرها. فمثلا جاء في رواية عبدالله بن جعفر الحميري في حديث طويل يروي فيه عن أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: مَن أعامل؟ أو عمّن أخذ، وقول من أقبل؟ فقال له «العمري ثقتي فما أدّى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون»([193]). ومن الواضح أننا مهما عملنا على تجاوز هذا المورد من هذه الرواية فلن نستطيع الوصول إلى الولاية المطلقة والفعلية لكل الثقاة. هذا وقد استدل بعض العلماء بأدلّة تجمع بين مقتضى التسليم بلزوم وجود أطروحة للحكم والولاية من قبلهم(عليهم السلام)وعدم وجود أية إشارة في الروايات لأطروحة أُخرى غير أطروحة ولاية الفقيه. وهو استدلال متين لو لوحظت مختلف أبعاده، ولكنه كما هو واضح لا يؤدي إلى الإيمان بالولاية المطلقة الفعلية لمطلق الفقهاء الجامعين للشرائط. وعليه: فنبقى والقدر المتيقن في الموضوع وهو الفقيه الجامع للشرائط والذي قبلته الأُمة، إن قلنا بأن نصوص اعتبار البيعة كافية في صنع ارتكاز عرفي متشرعي يترك أثره على ظهور النصوص ويحقق لنا القدر المتيقن المطلوب من خلالها.