ويستمر الحال هكذا إلى أن تتطوّر القوى المنتجة من درجة إلى أُخرى وعند ذاك لا تلائمها العلاقات الاقتصادية السابقة بل تحتاج إلى علاقات جديدة فيبدأ الصراع بين وضع القوى المُنتجة الجديد والوضع الاقتصادي القائم، وهذا الصراع ينعكس على المجتمع فتكون هناك دائماً طبقة تؤيّد القوى المُنتجة النامية لأنّ ذلك من مصلحتها وطبقة تؤيّد بقاء الوضع الاقتصادي القائم لارتباط مصلحتها به، ولمّا كانت القوى المُنتجة هي المحرّكة للتاريخ فهي التي ستنتصر ومعنى ذلك انتصار الطبقة المؤيّدة لها فتتحطّم علاقات الملكيّة القديمة ويتغير الوضع الاقتصادي وبتغيّره يتزعزع البناء العلوي للمجتمع من أفكار وأديان وأخلاق. وهكذا كلّما تطوّرت القوى المُنتجة تكرّرت الصورة السابقة. كل ذلك طبقاً لقوانين الديالكتيك التي سيأتي شرحها في الحلقات التالية. الواقعيّة والعلّية لا تستلزم الماديّة التاريخيّة: أصبح من العادي أن نجد في مختلف الكتب الماركسيّة الإدعاء القائل بأنّ نظريّة (الماديّة التاريخيّة) قد حوّلت التاريخ من دراسات خياليّة إلى علم بشري يصنّف إلى جنب باقي العلوم البشريّة الأُخرى. كما اعتدنا أن نجد الكتّاب الماركسيّين يتّهمون أعداء الماديّة التاريخيّة بأنّهم (أعداء علم التاريخ) وأعداء الحقيقة الموضوعيّة (الواقعيّة) ويستند هؤلاء في ادعائهم هذا الأمر إلى أن: الماديّة التاريخيّة تعتمد على أمرين: أ ـ الإيمان بوجود الحقيقة الاجتماعية خارج شعور الباحث وليست هي من صنع تفكيره. ب ـ الإيمان بأنّ الأحداث التاريخيّة لم تخلق صدفة فكل من يعارض المادية التاريخيّة يعارض هذين الأمرين!! كتب بعض الماركسيّين قائلا: «قد دأب أعداء الماديّة التاريخية، أعداء علم التاريخ، على أن يفسّروا الاختلافات في إدراك الأحداث التاريخيّة على أنّها دليل على عدم وجود حقيقة ثابتة»([12]).