هذا في حين أن حكماً مثل حكم حرمة الربا له كشفه الخاص عن النظرية الإسلامية لتوزيع الثروة المنتجة، وهكذا ضريبة التوازن كالزكاة مثلا. عمليّة التركيب بين الأحكام وهكذا يجب علينا حينما نفحص كل واحد من الأحكام أن لا ندرسه مستقلا لأنَّ هذا ينسجم مع بحث قانوني، أمّا عندما نريد اكتشاف المذهب الاقتصادي فإنّه لا يجدي عرض المفردات فحسب بل إجراء عمليّة التركيب بينها، أي يدرس كل منها باعتباره جزءاً من كلٍّ. فإلغاء فائدة رأس المال في عقد القرض، والسماح بالسب الناتج عن إيجاد وسيلة الإنتاج في الإجارة، يجب أن يدرسا بشكل مترابط ليخرج الدارس بالقاعدة الإسلامية لتوزيع الثروة المُنتجة والتي يتميّز الإسلام بها عن غيره، إذ تقيم الاشتراكية نظريّتها على أساس (العمل). والرأسمالية على أساس (العناصر المشتركة في تكوين الثروة المنتجة). سادساً: المفاهيم تساهم في عمليّة الاكتشاف وكما تساهم الأحكام في العمليّة فإنّ المفاهيم تشترك في ذلك أيضاً ونقصد بالمفهوم: كل تصوّر إسلامي يفسّر واقعاً كونيّاً أو اجتماعيا أو تشريعيّاً. فالاعتقاد بصلة الكون بالله تعالى; هو مفهوم معيّن عن الكون. والاعتقاد بأنّ المجتمع البشري مَرَّ بمرحلة الفطرة قبل الوصول إلى مرحلة العقل «كان الناس أُمة واحدة فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين» هو مفهوم إسلامي عن المجتمع والتاريخ. والاعتقاد بأنّ الملكيّة ليست حقاً ذاتياً وإنّما هي عمليّة استخلاف للإنسان على مال هو لله تعالى يشكّل مفهوماً عن الملكيّة. فالمفاهيم إذن هي وجهات نظر لا تحوي أحكاماً. وحينئذ فإن تلك المفاهيم المتّصلة بالحياة الاقتصادية يمكنها أن تساعدنا في اكتشاف المذهب من خلال الأحكام. ولكي يتوضّح ذلك نضرب مثلين: