قد عصمه وسدّده، وإنّما الأمر بالشورى لغايات أُخرى، منها: تأليف قلوب الناس، وإشراكهم في القرار في شؤون الولاية والحكم، وليكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أُسوة لسائر الحكّام والولاة. فقد أخرج ابن عدي والبيهقي بسند حسن عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها، ولكن جعلها الله رحمةً لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم علماً»[515]. وقال قتادة والربيع بن أنس ومحمد بن إسحاق: «إنّما أمره بها تطييباً لنفوسهم، ورفعاً من أقدارهم إذا كانوا ممّن يوثق بقولهم، ويرجع إلى رأيهم»[516]. وقال سفيان بن عيينة: «أمره بالمشاورة لتقتدي به أُمته فيها، ولا تراها منقصة، كما مدحهم الله تعالى: أنّ أمرهم شورى بينهم[517]. و «الأمر» في الآية الكريمة بمعنى الولاية وشؤون الدولة والسياسة في السلم والحرب، وهو تعبير شائع في هذا المعنى، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة»، وكما ورد في حديث «مجاري الامور على أيدي العلماء». (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) وهو كالصريح في أنّ الإسلام لم يحط للشورى قيمة القرار، وإنّما القرار والعزم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته، ثم من بعده لخلفائه أئمة المسلمين، وإن ألزم أولياء الأُمور بالشورى، فإنّ الإلزام بالشورى ليس بمعنى الالتزام برأي الأكثرية في الشورى، وبينهما فرق، وآية آل عمران تتكفّل النقطة