اللوحة الأُولى لقاء لبقاء بدار صغيرة من منازل قريش، تحفّ ـ شرفاً وتكريماً لأهلها ـ بالبيت الحرام، وتهبط عن الطريق بضع درجات، وتطلّ من جانب منها على ساحة لها فسيحة، اتّخذها أصحابها قاعةً لاستقبال الضيفان. هناك ... التقى الصغيران، وكان اللقاء كما ليس مثله لقاء، فلم يكن لقاء صدفة عابرة، عن خبطة ارتجال، ولا لقاء ضرورة حتمت الامتثال، ولا لقاء إعداد سبقه تحسّب واتّفاق، ولا لقاء قرابة دعت إليه الأصول والأعراق، ولا لقاء طفولة، على دمية ولعبة، أو على لهو وتسرية، كما هو مألوف في دنيا الأطفال. كلا، لم يكن لقاؤهما كهذا النمط أوكذاك، لم يكن وليد صدفة عفوية أتيح لها الانبثاق من ظرف طارئ، كلمحة برق خاطفة يبعثها احتكاك غيمتين شاردتين التحمتا على غير انتظار، فإذا هي تتوهّج لحظة، ثم لا تلبث بعدها أن تذوب في ظلام ليلة شتاء. ولم يكن عن ضرورة قاهرة قدّرتها قبل يومها هذا الأُسرة الكافلة، ووقعت لها في حسبان، ولم يكن من غرس دم ورحم أن يلتحم التحام السبّابة بالوسطى، غصنان طريّان ـ كأنّهما غصن واحد ـ من جذع تلكم الشجرة الباسقة[272] المورقة،