جلائل صفاته، ورفيع ملكاته، وتلك القدرات لأُسطورية التي أُوتيتها ويعزّ مثلها في الأقران، لا في هذا الزمان، وإنّما إلى آخر الزمان! فأمّا وولاية الناس هي حقّه الثابت الذي قرّرته الشواهد والبيّنات، فذروة الحقّ فيه أن يتقدّم بها إليه الناس، لا أن يسبق هو إليها تقرير الناس ذلك رأيه ... وهو مثالية من مثالياته التي ينفرد بها، ويأبى الإباء كلّه أن يبيعها بما في الدنيا من عروض الجاه وصوالج السلطان. فإذا كان حظّه في الأمر قد افترسته «فلتة» ـ وقى الله شرّها كما يقال! ـ قلبت الأوضاع، وارتفعت بما في الوهدة إلى قمة اليفاع، أفيلام على ما وقع وما للفلتات من مكان في مجالات التقدير والحساب؟ إذا كان ميران النفوس قد مال عن قوام الاعتدال، فمجهول المجاهيل يوم التقى الجمعان، أن اتّفقا بعد احتدام الخلاف، على ما لم يجلّ ببال إنسان، لا من خصوم ولا من أعوان. وإذا كانت فاطمة يؤاسفها الآن أن قد فات الإمام حقّه المستيقن المعلوم، فلقد كانت تؤمن ـ مع كلّ إحساسها بالألم والإحباط ـ أنّ ما فعله هو الصواب وإن أوصد القوم دون حقّه ألف باب وباب! * * * ورفعت الزهراء وجهها إلى السماء، وناجت الله: «اللّهم إنّك أشدّ قوةً وحولاً، وأشدّ بأساً وتنكيلاً ...». وكاد علي يشرق بدمعة، لكنّه وارى عنها عينيه، وحاول أن يهوّن عليها أساها الكظيم أن ينفجر به صدرها كانفجار المرجل بضغط بخار مكتوم. قال كمن لا يبالي ما كان: «لا ويل لك، بل الويل لشانئيك، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة، وبقية النبوّة، فما أُعدّ لك أفضل ممّا قُطع عنك ... فاحتسبي الله ...».