ولقد أكثر القوم الخوض في شأن النبوّة كميراث، وأسرفوا فيها القول إسرافاً علق بها الأنظار، وشغل الأذهان بها عن القضية الأصلية: قضية توريث المال ... بل أغفلوها كلّ الإغفال. فأمّا إذ أنكروا النحلة، فقد انتقلت فدك إذاً إلى وعاء المواريث، وحقّ لفاطمة أن تطلبها بمقتضى شرعة الله فيما يترك لأسلاف للأخلاف. لكنّهم أبوا عليها هذا التفسير، قالوا ما قالوا في امتناع وراثة أبناء الأنبياء عن آبائهم إلاَّ ما كان من نبوّة وعلم، ولا سبيل إلى وراثة المال. وقالت ما قالت في ذكر الله الذي قضى بتوريث المال للأبناء عن الآباء، أنبياء وغير أنبياء، فالله يقول: (لِلْرِجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ وَلِلْنِسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)[1603] ويقول: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنْثَيَيْنِ)[1604]. وإذ الحكم الآن في قضيتها هو القرآن، فمن ذا غيره بيده الميزان؟ وثبتت على حقّها بعزم حديد، وبكلّ ما ازدخر به قلبها من الأرث الإيماني وصدق اليقين.