فبعين الله ما تفعلون ... وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد!»[1589]. فإذا كان ثمة بقية من كلام يقال في هذا المقام، تعيه الأفئدة قبل الأسماع، ويكون مثلاً للآثار الموروثة التي تدلّنا على صلابة العزم اليقيني، ووثاقة القوة الإيمانية، فليس مَثَلٌ أقرب مورداً، ولا أرفع مقاماً، ولا أروع مخبراً ومظهراً من الحسين الشهيد ابن الشهيد. جاء إلى الدنيا من أطهر النطف التي استودعها أكمام الأرحام، لتفرزها أقدس البطون والظهور. وخرج من الدنيا وهو أصدق شاهد على تطابق الوارث والموروث، وتمثّل الفروع عناصر الجذور. فما أن أذن له ربّه أن ينهض للفتنة يدفعها عن الدين وأهله، حتّى جدّ لقمعها كجدّ أبيه على نحو ما وصفته من قبل الزهراء سيدة النساء: « ... لا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه[1590]، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً[1591] وذبّاً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله ... مشمّراً[1592] ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم ...»[1593]. وفعل. خفّ يناضل عن حقّ الله وكرامة الإنسان، حارب جحافل الطاغوت وأعتدتها، وإنّها لأعداد من الأجناد، وقاذفات الحتوف، تُحسب بالألوف والألوف. وظلّ وحده في الميدان حتّى نهاية الصراع.