عندئذ يقال: إنّها إذاً اجتباء ... وظيفة اجتماعية ـ لو جاز التعبير ـ تتسنّم ذروة الاجتماع، لأنّها قائمة على قدسية الاختيار، يختصّ بها الله من اختار من خلقه على أساس من مشيئة ربانية، لا على أساس أصل أو نسب أو حكمة أو ثروة أو جاه. يستوي عندها من يمدد إلى نبيٍّ بوشيجه[1572]، ومن لا يمدد بسبب من الأسباب، فيها تتّسع مشيئة الله للأُبوّة والبنوّة والأُخوة، كما تتّسع أيضاً لم لا يرتبطون بأي صلة من دم. فها هم أُولاء إبراهيم وولده اسماعيل ... وزكريا وابنه يحيى ... وموسى وأخوه هارون ... كلّهم أنبياء، لكنّهم لم يتنبّأوا عن طريق الميراث. ثم هذا عيسى بن مريم نبي رسول، ولا أب له يعزى إليه توريثه نبوّته، أفأراده الله دليلاً على أنّ النبوّة لا تنحدر في الأصلاب؟ * * * ومع ذلك، فلا ينبغي أن يتطرّق ظنّ ظانٍّ إلى أنّ امتناع وراثة الابن نبوّة أبيه يعني انتفاء قاعدة الوراثة بمعناها العام. فالوراثة عملية بيولوجية، تبدأ نشاطها في الخلية الإنسانية، وبها تنتقل إلى الفرد صفاته البدنية، وسماته العقلية التي يكتسبها من أبويه، ثم تنمو هذه الخصائص وتتبلور فيه كلّما تكاثرت خلاياه، واتّسعت رقعته الكيانية على امتداد عمره الجنيني وما يليه من أطوار حياته الدنيوية، حتّى يغدو بشراً سوياً، من بدن ونَفس وروح، متميّز الصفات; متكامل الذات. وليس عجيباً أن يجري على هذا السنن «الميسّر ـ المعقّد» توارث الخصائص، وتوالي الأطوار، وإنّما العجيب ألاّ تنتظم هكذا في سلكها المقدور. فهذه هي حركة الحياة ... وهي قدرة خالق قدير.