تماماً كأن يمنعك طبيبك السير وقدماك لا تزالان معك ... وكأن تتلبّد الغيوم وتكثف فتحرمك رؤية صفاء السماء، والصفاء موجود! أمّا «امتناع» وقوع الحَدَث، فلا يكون إلاَّ بسبب قوة ذاتية فيه، ومن داخله، كفّته عنك، وكفّتك عنه، فاستحال عليك إتيانه، لأنّه خارج من نطاق الممكن، وداخل في نطاق المستحيل ... بات في الماضيّة لا في الحضورية، غدا معدوماً أو كالمعدوم. من هنا فنحن من الحديث القائل: «لا نورث ما تركنا صدقة» أمام وجهين: أن يكون الرسول قد قضى بمنع توريث أيّما شيء تركه وراءه، فوقع «المنع» موقعه من إرثه، من لحظة قضائه بذلك حتّى لحظة وفاته، ثم ظلّت له القدرة على الاستمرار. وإذا كنّا لا نعلم متى وقع «المنع»، وأين، وفي أيّة مناسبة، فإنّنا بلاشكّ أحرياء بأن نعلم أنّه لابدّ قد وقع في حضورية أبي بكر، والنبي في الأحياء. مصداق هذا: أنّ أبا بكر وهو يروي الحديث قال: سمعت رسول الله يقول ... ولم يقل خليفة الرسول: سمعت «أنّ» رسول الله قال. وبهذا تكشّف كلام الخليفة الأول عن «ماضية» السماع، فهو إذاً قد تلقّى أمر المنع من المانع، ولم يتلقّه من امرئ سواه. وأمر المنع قد وقع على شيء كان ملكاً موجوداً، يخضع لشريعة المواريث ... ثم انعدم وجود هذا الملك، أو تعطّلت خصيصته التوريثية على الأقلّ، ما أن نطق النبي بذلك الحديث الذي سمعناه ينقل به «ما تركه» إلى وعاء «الصدقة» من وعاء «الملكية» الذي يجوز التوريث في محتواه. وحالة «الأمرية» ممتدّة هنا على مدار الأجيال والسنين، تحسب أن يظهر فيما بعد إرث كان مجهولاَّ، فيفلت من قيد التطبيق. فالمنع لا يتعلّق بفترة زمنية محدودة، لكنّه مستمر ... قانون قائم دائم. * * *