وتخاطبه مرةً أُخرى في مسجد النبي، فتقول: «يابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟». وتحدّثه ومن اجتمعوا لها في هذا المحفل: «وزعمتم ألاَّ حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا ...أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟! أم تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟»[1512]. ويتعدّد بينها وبينه اللقاء، ويحتدم الجدل، فلا تزال تدعم قولها بآيات من كتاب الله، ولا يزال هو يستمسك برأيه معتصماً بانتفاء وراثتها للرسول. في كلام له يجيب: سمعت رسول الله يقول: «إنّما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي، فإذا متّ فهي بين المسلمين»[1513]. وفي غيره يكون ردّه: إنّ الله عزَّ وجلَّ إذا أطعم نبيّاً طعمةً فهي للذي يقوم بعده[1514]. ولقد ورد حديث منع التوريث على لسان أبي بكر على أكثر من صورة، تتّفق جميعاً في المعنى، ولكنّها تختلف في التركيب، ولعلّ أشهر ما وصلنا منها اثنتان: الأُولى: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة». والثانية: «لانورث، ما تركناه فهو صدقة»[1515]. أمّا نصيب الورثة الشرعيّين، فقد جاء في ذيل هذه الأخيرة عبارة مانعة تقرّر ألاَّ حقّ لهم في مال النبي، وإنّما لهم المأكل، لا شيء سواه من مال الله. تقول العبارة: «إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ـ مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل».