أجاب ربّاً دعاه ... يا أبتاه! جنّة الخلد مأواه ... يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه ... يا أبتاه! من ربّه ما أدناه ... يا أبتاه!»[1342]. لكأنّي بهذا النعي قد أجّج ناراً لاهبةً في كلّ قلب، دبّ على أديم هذا الكوكب، منذئذ وحتّى الآن، وإلى موعد البعث، ما إن ندّ من شفتي الزهراء. وكيف لا، وهي تعلن مأتم الإنسانية؟ تودّع سيّد البشر؟ تبكي الرحمة التي تجسّدت فيه؟ ومع ذلك فلا نخالها إلاَّ كانت تغالب شجنها لعلّها تغلبه، لعلّها أن تكفّ بعض ما حولها من معالم الأسى الفاجع، لعلّها أن تسمع أهازيج الملائكة وهي تنشد فرحةً باستقباله. ففي الأرض دموع وعويل ... وفي السماء غناء وترتيل. وعند جانب الغرفة، حيث وسد الرسول مثواه، وقف علي بن أبي طالب صفيّه وحبيبه يناجيه: «بأبي أنت وأمي، يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء ... لولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلاَّ لك! لكنّه ما لا يملك ردّه، ولا يُستطاع دفعه ... بأبي أنت وأمي! اذكرنا عند ربّك، واجعلنا من بالك»[1343].