اللوحة الأُولى كانت تحمل همّ الجميع الأيام التي مرّت أخيراً على رقيّة وأم كلثوم بالدار، وجدت فيها الزهراء بعض العزاء، أحسّت خلالها شعوراً بالراحة، يهدهد عواطفها، ويربت على قلقها بالطمأنينة، ويبدّد عنها بعض ضيقها الذي تعانيه، بدت لها كطَيْف ابتسامة، شاحب الفرحة، يلوّن جانباً من ثغر زمانها الممرور الحزين. فالألم النفسي الذي تحمله وقر ثقيل ثقيل، وأن تتقاسم حمولها ثلاثتهم لأهون عليها، وأخفّ وطئاً من انفراد كاهلها بعبء كلّ الأثقال. والمقرور[466] يكاد يهرأ لحمه ويخرق عظمه لذعُ البرد إن لم يكن له جار سوى الزمهرير[467]، غير أنّه يكاد يتحرّر من لذع قرّة، أو يتخفّف من نخس صرّة[468] لو أنّه أفسح في جواره لرفيق، مقروراً أو غير مقرور. فالجوار دثار، والدثار ينشط حركة الدم في العروق، والحركة دفء، واختلاط الأنفاس بالأنفاس مبعثة للحرارة، كاحتكاك الغيمة بالغيمة ـ وإن كانتا مثلوجتين ـ