بعد الحصول على إجازة من الدولة!! وكان غرضهم من حصر المذاهب الإسلاميّة حصر المذهب الجعفري المخالف لسياستهم من المذاهب الإسلاميّة إلى الأبد باسم الدين، وإبادة الشيعة المنتسبين إليه، كما أنّه كان غرضهم من تقرير تعدّد المذاهب إلى الأربعة الموجودة في ذلك العهد أن يتمكنّوا من استغلال كلّ واحد منها في صالح سياسة العباسيين بإيجاد المنافسة بينها، ثم تقديم المذهب الأوفق بسياستهم على غيرها فالأوفق، فما دام المذهب موافقاً للسياسة كان يُؤخذ به، فإذا انحرف أو حاول الانحراف عنها اُخِّر وقدِّم عليه غيره الموافق لها من الأربعة، جرياً على أساس قاعدة فرّق تسد. وصفوة القول: أنّه بقي حصر المذاهب الإسلاميّة في الأربعة مستمرّاً في صميم سياسة الخلفاء العباسيّين، وكان هدفهم الوحيد الأعلى، واعتبر الانتساب إلى مذهب آخر سواها ـ كمذهب الشيعة الإماميّة مثلاً ـ بدعة وخروجاً على الإسلام!! ودامت هذا الوضعيّة مدّة طويلة تزيد على خمسمائة سنة، طيلة خلافة العباسيّين، فتأثرت لها الأجيال، وتوارثها الأعقاب، وترسّخت في العقيدة الدينية، رغم أنّها لم تكن سوى أمر سياسي لا علاقة لها بالإسلام، بل كان الحصر مخالفاً للنصوص الإسلامية الواردة في كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأصبح رسوخ هذا الأمر السياسي في عقيدة المسلمين على درجة من الشدّة لم يستطع الخواجة نصير الدين[20] نفسه من إزالته عن العقيدة الدينية آنذاك، وهكذا أصبح الحصر شعاراً دينّياً موافقاً لسياسة الملوك والاُمراء.