وكان السفاح وإخوته وأهله قد هربوا من الحميمة لمّا قُبض على ابراهيم الإمام، فنزلوا دار الوليد بن سعد مختفين، وكان محمد بن خالد القسري لمّا بلغه انتصار قحطبة ثار بالكوفة وعليها زياد بن صالح، فهرب زياد ومن معه من أهل الشام، وخلت الكوفة لجيش الشيعة، فاستخرجوا السفّاح، فبايعوه بالخلافة. وبلغ الأمر خليفة الوقت مروان الأموي، فسار من الشام في مائة ألف حتى نزل دون الموصل، فسيّر إليه السفّاح عمّه عبدالله بن علي، فالتقى الجمعان على الزاب[13]، وأمر مروان القبائل بأن يحملوا، فتخاذلوا عنه واعتذروا حتى صاحب شرطته، ففرّ مروان، وتقهقر إلى الجزيرة حتى وصل إلى حرّان، فتبعه عبدالله بن علي، ففرّ إلى حمص، ثم خرج منها في جنده، فتبعه أهله لينهبوه، فهزمهم، وسار إلى دمشق، فأوصى عاملها بقتال العدوِّ، وسار إلى فلسطين وعبدالله بن علي يتبعه، ويستولي على مدن الشام حتى فتح دمشق عنوةً في رمضان سنة 132 هـ . ثم خرج يريد فلسطين، فأجفل[14] مروان[15] إلى العريش، فسار صالح بن علي في طلبه، فأجفل مروان إلى النيل، ثم إلى الصعيد، فوجد أنّ أهل الحوف الشرقيّ من بلاد مصر وأهل الاسكندرية والصعيد قد صاروا مسوّدة[16]، فلمّا عزم على تعدية النيل عدى الجيزة، ثم أحرق الجسرين، وبعث بجيش إلى الاسكندرية، ثم بآخر إلى الصعيد، وبينا هو في ذلك قدم في طلبه صالح بن علي[17]، وذلك يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجّة سنة 132 هـ ، فلم يثبت مروان لصالح، وتوجّه إلى بوصير بالجيزة، فلحقه صالح بها، فقاتله حتى قتل مروان يوم الجمعة لتسع بقين من ذي الحجّة سنة (132 هـ )، وقد بعث برأسه إلى الشام والعراق، وزالت بموته دولة بني اُميّة، واستقرّ الملك لبني العباس بجهود الشيعة. وانصرف السفّاح إلى قمع بني اُمية، فقمعهم، واستتبَّ الأمر للخليفة من بعده أبي جعفر المنصور، فبدأ هذا بمناوأة العلويين من أبناء فاطمة (عليها السلام)، وإبادة مذهبهم وشيعتهم الذين هم نصبوا السفّاح، وبايعوه بالخلافة; لأنّه كان خائفاً منهم على ملكه، ولمّا رأى أنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد اجتمع عليه أربعة آلاف تلميذ وراو، يأخذون منه العلم ويعتقدون بإمامته وخلافته الحقّة، خاف المنصور ميل الناس إليه وأخذ الملك والخلافة منه، فجعل يكيد المكائد، ويفتعل المؤامرات من أجل عزله عن الناس.