بالأمة الإسلامية إبّان اشتعال نار الحرب العالمية الثانية، وقيام الحلفاء المنتصرين بتقسيم العالم الإسلامي بينهم كغنائم حرب! وفي ظلّ تلك الظروف المتشابكة انطلق (رحمه الله) يتصدّى لمسؤوليته الشرعية والإنسانية، وينطلق بالدعوة إلى توحيد صفوف أبناء الأمة، ومواجهة موجات الغزو والاحتلال العنيفة. إنّ الجرأة والشجاعة اللتين تحلّى بهما هذا المصلح الكبير، واندفاعه إلى أقصى نقطة ساخنة في العالم الإسلامي، وصعوده المنبر أمام جموع اليهود الدخلاء في القدس، وإلقاءه خطبته «النارية» التي هزّت مشاعر الحاضرين... تعدّ من أبرز مواقف هذا الرجل، والتي سجّلها له التاريخ تباعاً، بعدما تركت بصماتها على جبين الأمة، ولعلّ هذا الكتاب أكثر تجلّياً لها، وأعظم شاهد عليها. فمن يطالع خطاباته، أو يقرأ سيرته الذاتية، يجده قد توافر على وعي كبير لا يلائم المناخ المحيط الذي اكتنف الأمة آنذاك، لكنّه ـ وغيرةً على الدين وأهله ـ استطاع أن يخطو خطوات واسعة، ويحقّق ما عجز غيره من تحقيقه، حتى أثار دهشة وإعجاب الناس به، لدرجة أن قام إليه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وقبّل يده إجلالاً وتقديراً لما سمعه منه من كلام في محاضرة له، ثم ليقول له: «هذه أول وآخر يد أقبّلها»! وانطلاقاً من هذه الرؤية التي أوجدها تجاهه، والتقدير الذي كان يتلقّاه من الأوساط المختلفة، استطاع أن يستفيد منها في أن يضع حجر أساس العلاقة الإيمانية والأخوية التي أمر بها الشارع الإسلامي، ويبني عليه أعمدة الوحدة والتقارب بين طوائف المسلمين، ثم يحصر في أركانها كلّ معاني المودّة والتحابب بين أعظم فريقين في الإسلام: الشيعة والسنّة، فأنشأ صرحاً اجتماعياً أخذ يرتفع ليشرف على كلّ الجهات. وفي ضوء ذلك، فانّ من يتأمل حياة هذا المصلح، فإنّه تستفيق أمامه كلّ لحظات اليأس المترشّحة عن تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي آنذاك، والتي كانت تشكّل تحدّياً من شأنه أن يفتّت بعضد المسيرة الخلاّقة.