فقدان الأمل من المصالحة والمسالمة. ومن هنا ينبغي على مصلحي الأُمة وعلمائها أن يتّخذوا طرقاً تمرّ من خلال هذا المناخ التاريخي المضطرب، وتمتدّ عبر هذا الفضاء الملوّث، إلى حيث إحياء الواقعية المهضومة، وأن يبتغوا لها الوسيلة تلو الوسيلة. ولعلّ من أبرز الطرق في هذا المضمار: القيام بنشاطات مجرّدة عن التحيّز المذهبي على صعيد عرض وتحقيق التراث المدفون، المتعلّق بالسنوات الأُولى من فجر الإسلام، حيث كان الشيعة والسنّة في جبهة واحدة، وضمن صفّ واحد في مواجهة الأعداء والمشركين، من خلال عرض ومطالعة الروايات المشتركة والصحيحة بين المدرستين الروائيتين، التي استطاب الغبار النوم عليها، بل كاد يأكل عليها الدهر ويشرب. إنّ عرض الروايات المشتركة، وتعزيز سبل مطالعتها، يسلّط الأضواء الكاشفة عليها بعد أن لفّها الظلام لفترة طويلة، ويبرز بنفس الوقت حقيقة الأُلفة بين المدرستين، والحجم الواسع من الموارد المتّفق عليها بينهما من الروايات الصحيحة، ويظهر الفاصلة الحقيقية بين المدرستين اللتين تكاد تتقاربان بشكل مثير للغاية. وهذه الروايات علاوةً على أنّها تشكّل مؤشّراً جديراً بالعناية لحجم التعاون والارتباط الوثيق بين المدرستين: الشيعية والسنّية، فإنّها تمثّل حصيلة مكتنزة من السنّة الصحيحة وذات قيمة عالية في شتّى مجالات البحث والتحقيق، لتشمل جميع حقول الحياة الإنسانية، لأنّها توفّر للعلماء مادة غزيرة وصحيحة لا يشوبها شكّ بمكان، كما أنّها توفّر الآفاق الرحبة والجديدة على هذا الصعيد، من خلال تهيئتها المناخ المناسب لتصحيح النظرة الفقهية المذهبية عند علماء المسلمين. ويقيناً أنّ جمع الروايات المشتركة والمتعلّقة بجميع حقول الحياة لعلماء الفريقين، يساعد على تجذير الوعي الفقهي عندهم، لما تشتمل على نكات جديدة قابلة للتأمّل، وموارد جديرة بالالتفات إليها. ولذلك يمكن أن نعتبر هذه الخطوة الجادّة من أهمّ الخطوات التي تؤدّي إلى تحقيق رسالة مجمع التقريب السامية.