فلمّا ظهرت الدعوة المحمّديّة أخذته الغيرة على زعامته، فكان في طليعة المحاربين للدعوة الجديدة، وندرت غزوة من الغزوات لم تكن فيها لأبي سفيان أصبُع ظاهرة في تأليب القبائل وجمع الأموال. وشاءت المصادفات زمناً من الأزمان أن يظلّ وحده على زعامة قريش في حربها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فمات الوليد بن المغيرة زعيم مخزوم، ودان زعماء تيم وبني عدي وغيرهم من البطون القرشيّة الصغيرة بالإسلام، وبقي أبو سفيان وحده على رأس الزعامة الجاهليّة والزعامة الأُمويّة في منازلة النبي ومن معه من المهاجرين والأنصار. وبلغ من تغلغل العداء في هذه الأُسرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أبا لهب عمّه كان أوحد أعمامه في الكيد له والتأليب عليه، وإنّما جاءه هذا من بنائه بأُمّ جميل بنت حرب أُخت أبي سفيان التي وصفها القرآن بأنّها (حَمَّالةَ الحَطبِ)([124]) كناية عن السعي في الشرّ وتأريث نار البغضاء. ثمّ فتحت مكّة، فوقف أبو سفيان ينظر إلى جيش المسلمين ويقول للعبّاس بن عبد المطّلب([125]): « والله ـ يا أبا الفضل ـ لقد أصبح ملك ابن أخيـك اليوم عظيمـاً »، فلمّا قال العبّاس: « إنّها النبوّة ! »، قال: « نعم