وكذلك يقول من يقول: إنّ الأريحيّة في نفوس أنصار الحسين كانت أريحيّة أفراد معدودين ثبتوا معه ولم يخذلوه إلى يومه الأخير. وينسى هؤلاء أنّ الارتفاع ليقاس بالقمّة الواحدة كما يقاس بالقمم الكثيرة، وأنّ الغور ليسبر في مكان واحد كما يسبر في كلّ مكان، وإنّما تكون الندرة هنا أدلّ على جلالة المرتقى الذي تطيقه النفس الواحدة أو الأنفس المعدودات، ولا تطيقه نفوس الأكثرين. فمدار الخلاف إذاً في هذه الجولة التأريخيّة إنّما هو الفارق الخالد بين مزاجين بارزين كائناً ما كان تفسير المفسّرين للعقائد الروحيّة والمطامع السياسيّة، ولم يتلاق هذان المزاجان على تناحر وتناجز كما تلاقيا عامّة في النزاع بين الطالبيين والأُمويين، وخاصّة في النزاع بين الحسين ويزيد. فحياة الحسين (رضي الله عنه) صفحة، لا صفحة تماثلها في توضيح الفارق بين خصائص هذين المزاجين وبيان ما لكلٍّ منهما من عدّة للنجاح في كفاح الحياة، سواء نظرنا إلى الأمد البعيد أو قصرنا النظر على الأمد القريب.