للفرص والمغانم العاجلة ; لأنّهم خلقوا بفطرتهم على حساب أعمار تتجاوز حساب عمرهم القصير. فهم ـ شعروا أو لم يشعروا ـ بعيدو النظر إلى عواقب الأُمور وإن خيّل إلى الناس أنّهم طائشون متهجمون. أمّا موقف المؤرّخين في العطف على حركات التأريخ فهو ـ على ما نرى ـ موقف مزاج من هذين المزاجين، وليس بموقف سبيل من سبل البحث أو مذهب من مذاهب التفكير. فالذين يجنحون بمزاجهم إلى المنفعة يفهمون أعذار المنتفعين وينكرون ملامتهم على ناقديهم، والذين يجنحون بمزاجهم إلى الأريحيّة يفهمون دوافع النخوة ويحسبونها عذراً لأصحابها أقوى من غواية المنافع والأرزاق. إلاّ أنّ الصواب هنا ظاهر جدّ الظهور لمن يريد أن يراه.. الصواب أنّ العطف على جانب المنفعة عبث لا معنى له ولا حكمة فيه، وأنّ العطف على جانب الأريحيّة واجب يخشى على الناس من تركه وإهماله ; إذ كان تركه مناقضاً لصميم الفطرة التي من أجلها فطر الناس على الإعجاب بكلّ ما يستحقّ الإعجاب. فليس يخشى على الناس يوماً أن ينسوا منافعهم ويقصّروا في خدمة أنفسهم، سواء عطف عليها المؤرّخون أو أعرضوا عنها ساخرين منكرين. ولكنّهم يخسرون الأريحيّة إذا فقدوها وفقدوا الإعجاب بها والتطلّع إليها، وهي التي خلقت ليعجب بها الناس ; لأنّ حرص الإنسان على منفعته لا يغنيهم في حياتهم العامّة أو في حياتهم الباقية.