التفهّم ودقّة في الأداء وعلى سيطرة على الموضوع وهيمنة على الفكرة والكلمة، وهو من ناحية المقدرة الذهنيّة توقّد في الذكاء وبعد في اللمح وامتداد في الرؤية وعمق في النظرة، وهو من ناحية الخُلق صلابة لا تلين وعقيدة لا تهي ورصانة تأبى التبذّل ووقار يأبى السخف وتقيّد بنظام الحياة لا يحيد عنه وتمسّك بالحرّية والديمقراطيّة والروح الإنسانيّة لا يرضى الاستهانة بذرّة من ذرّاتها، وهو رجل التديّن الصادق الذي يكره التعصّب والتزمّت وجعل الدين مطيّة للأطماع والأحقاد. وقد كان يميل إلى الخجل والانفراد والعزلة، ولم يكن ذلك بسبب عقد نفسيّة، ولكنّه ورث طبيعة الانطواء عن والديه، وكان يشغل وحدته بالمطالعة، وكان يحبّ الصداقة ويكره العداوة. وكان شديد الحسّاسيّة سريع البكاء، وقد أثبتت المراجع العلميّة والنفسيّة أنّ أقوى الرجال أسرعهم إلى البكاء والتأثّر([62]). ولم يتزوّج وازدرى كثيراً من متع الحياة معلّياً عليها متاع الضمير ومتاع الخلق الكريم ومتاع الفكر ومتاع الذوق والشعور مقتنعاً من مطالب العيش بما يكفيه، وهو لا يقيس الحياة الصحيحة بمقياس المادّة والجسد، إنّما يقيسها بمقياس الروح والعقل ومقاصدهما المثاليّة([63]). وكان من ناحية الخَلق أجشّ الصوت في قامته طول نُعت من أجله بالعملاق([64]).