الذلّ ومصارع الكرام على طاعة اللئام، وأظهر من إباء الضيم وعزّة النفس والشجاعة والبسالة والصبر والثبات ما بهر العقول وحيّر الألباب، وحقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكرى كلّ عام وتبكي له العيون دماً بدل الدموع، وهل الحسين دون جان دارك التي يقيم لها الفرنسيون الذكرى في كلّ عام ؟! وهل عملت لأُمّتها ما عمله الحسين لأُمّته أو دونه ؟! هذا، وقد حثّ الأئـمّة من أهل البيت شيعتهم ومحبّيهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلّ عام، وهم نعم القدوة في ذلك. ومن المندوب يوم عاشوراء إظهار الحزن والجزع والبكاء، وذلك: أوّلا: لأنّ فيه مواساة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا شكّ في أنّه حزين لذلك اليوم على ولده ومن كان في حياته يحبّه أشدّ الحبّ ويكرمه، وأيّ مسلم يرغب عن مواساة نبيّه في حزنه على حبيبه ؟! وأيّ طاعة أفضل عند الله تعالى من مواساة أفضل رسله في حزنه على ولده ؟! وثانياً: أنّه ثبت عن أئـمّة أهل البيت النبوّي أنّهم أقاموا العزاء في مثل هذا اليوم وحزنوا وبكوا لهذه الفاجعة وحثّوا أتباعهم على ذلك([44])، وهم نعم القدوة والأُسوة. ولم يكن جعل يوم عاشوراء عيداً معروفاً في الديار المصرية، وأوّل من أدخله إليها صلاح الدين الأيّوبي، كما حكاه تقي الدين المقريزي في خططه([45])، والظاهر أنّ الباعث عليه كان أمراً سياسياً، وهو مراغمة