وإنّما هو طلب وطلب، وإنّما هي غاية وغاية، وإنّما المعوّل في هذا الأمر على الطلب لا على المطلوب. فمن طلب الملك بكلّ ثمن وتوسّل له بكلّ وسيلة وسوّى فيه بين الغصب والحقّ وبين الخداع والصدق وبين مصلحة الرعية ومفسدتها، ففي سبيل الدنيا يعمل لا في سبيل الشهادة. ومن طلب الملك وأباه بالثمن المعيب وطلب الملك حقّاً ولم يطلبه لأنّه شهوة وكفى، وطلب الملك وهو يعلم أنّه سيموت دونه لا محالة، وطلب الملك وهو يعتزّ بنصر الإيمان ولا يعتزّ بنصر الجند والسلاح، وطلب الملك دفعاً للمظلمة وجلباً للمصلحة كما وضحت له بنور إيمانه وتقواه، فليس ذلك بالعامل الذي يخدم نفسه بعمله، ولكنّه الشهيد الذي يلبّي داعي المروءة والأريحيّة، ويطيع وحي الإيمان والعقيدة، ويضرب للناس مثلاً يتجاوز حياة الفرد الواحد وحياة الأجيال الكثيرة. ومن ثمّ يقيم الآية بعد الآية على حقيقة الحقائق في أمثال هذا الصراع بين الخلقين أو بين المزاجين والتأريخين. وهي أنّ الشهادة خصم ضعيف مغلوب في اليوم والأُسبوع والعام، ولكنّها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والأجيال ومدى الأيام.. وهي حقيقة تؤيّدها كلّ نتيجة نظرت إليها بعين الأرض أو بعين السماء على أن تنظر إليها في نهاية المطاف. ونهاية المطاف هي التي يدخلها نوع الإنسان في حسابه ويوشج عليهـا وشائج عطفه وإعجابه ; لأنّه لا يعمل لوجبات ثلاث في اليوم، ولا ينظر إلى عمر واحد بين مهد ولحد، ولكنّه يعمل للدوام وينظر إلى الخلود.