لذواتهم، وهي تظلّ ـ رغم ذلك ـ أشبه بالغيمة التي تمطر على الظمآن في الصحراء القاحلة، ومثل المحبوب الذي يصل إلى المحبّ من دون موعد مسبق. والعامل الثاني من عوامل تقديس الثورات والحركات التحرّرية هو: طهارة ونقاء وقدسيّة الهدف والغاية، وعدم اختلاط أهداف الثورة بأيّ نوع من أنواع الأهداف الشخصيّة، أو المنفعة الماديّة والمطامع الذاتيّة، أو حبّ الجاه والشهوة والإنانيّة والنرجسيّة والتمركز حول الذات، أو أنواع التعصّب القومي، أو الحمية الوطنيّة. بل تبقى الغاية رضا الله والعمل بأوامره سبحانه وتعالى وتحقيق العدالة والتوحيد الحقّ ومراعاة حرّيات الآخرين وحماية المظلوم والدفاع عن الضعيف. نعم، عندما تكون النهضة بسبب الارتعاش والحرقة التي تحصل في الوجدان والضمير الإنساني وعندما تتمّ التضحية بالمصلحة الذاتيّة والمنفعة الشخصيّة من أجل المصالح العامّة للمجتمع والتضحية بكلّ شيء من أجل الحقّ والعدالة، عندها فقط يتحوّل الأفراد وتتحوّل ثورتهم إلى تبلور وتجسيد للحقّ والعدالة، وهكذا يصبح أمثال هؤلاء مقدّسين مثل الحقّ والعدالة. العامل الثالث من عوامل التقديس هو: كون قيادة الحركة أو الثورة تحمل إدراكاً متيناً وبصيرة نافذة ثاقبة قادرة على رؤية ما سيأتي من أحداث خلفها، فهي إذن ترى ما لا يراه الآخرون خلف الستار.