عزائمه، كما ينفض الأسد غبرات الحصاء عن لبده([393])، ولم يخامره الأسف قط في ذلك الموقف المرهوب إلاّ من أجل أحبّائه وأعزائه الذين يراهم ويرونه ويسمع صيحتهم ويسمعونه. فقال وهو ينظر إلى الأخبية ومن فيها: « لله درّ ابن عبّاس فيما أشار به عليَّ ! »([394]). وجلس ليلة القتال في خيمته يعالج سهاماً له بين يديه ويرتجز ـ وأمامه ابنه العليل ـ: يا دهر أُف لك من خليل *** كم لك بالإشراق والأصيلِ من صاحب وماجد قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديلِ والأمر في ذاك إلى الجليل *** وكلّ حيٍّ سالك سبيلي فردّ ابنه عبرته لكيلا يزيده ألماً على ألمه. وسمعته أُخته زينب، فلم تقو على حنانها ووجلها، وخرجت إليه من خبائها حاسرة تنادي: « وا ثكلاه ! اليوم مات جدّي رسول الله وأُمّي فاطمة الزهراء وأبي علي وأخي الحسن، فليت الموت أعدمني الحياة.. يا حسيناه ! يا بقيّة الماضين وثمالة الباقين ! ». فبكى لبكائها، ولم ينثن ذرّة عن عزمه الذي بات عليه، وقال لها: ـ « يا أُخت ! لو ترك القطا لنام »([395]).. ولم يزل يناشدها ويعزّيها، وهو