أنفسهم ولم يخادعوه، ورأوا أصدق النصيحة له أن يجنّبوه التسليم ولا يجنّبوه الموت، وهم جميعاً على ذلك. ولم يكونوا جميعاً من ذوي عمومته وقرباه، بل كان منهم غرباء نصحوا له ولأنفسهم هذه النصيحة التي ترهب العار ولا ترهب الموت. فقال له زهير بن القين: « ولله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة، ويدفع الله بذلك الفشل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك »([390]). وقال مسلم بن عوسجة ـ كأنّه يعتب لما اختار له من السلامة ـ: « أنحن نخلّي عنك ؟! وبم نعتذر إلى الله في أداء حقّك ؟! لا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك. وأمّا والله لو علمت أنّني أُقتل ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقي حمامي دونك »([391]). وجيء إلى رجل من أصحابه الغرباء بنبأ عن ابنه في فتنة الديلم، فعلم أنّ الديلم أسروه ولا يفكّون إساره بغير فداء، فأذن له الحسين أن ينصرف وهو في حلٍّ من بيعته ويعطيه فداء ابنه. فأبى الرجل إباء شديداً، وقال: « عند الله أحتسبه ونفسي »، ثمّ قال للحسين: « هيهات أن أُفارقك